عماد علی : تطبيق الفدرالية الحقيقية هو الحل الجذري لما فيه العراق .
تلقينا من المواقف الكثيرة المتناقضة الصادرة من اطراف عديدة خلال هذه الايام القليلة من تكليف السيد العبادي و من ثم تنحي المالكي فقط ، حول البداية الصحيحة للولوج في خطوات الحل النهائي للمعضلة العراقية و ما يُرضي الاطراف جميعا، اي المكونات الثلاث الرئيسية، بعد الفوضى التي يعيشها العراق منذ سقوط الدكتاتورية و ما عقدته داعش اخيرا .
عند تقييم الحال و ما موجود على الارض و ما ينويه و يتمناه كل طرف من اجل تقويمه، نجد تناقضا واضحا او اختلافا في المتطلبات و الرؤى لما هو الحل الممكن نجاحه في العراق اليوم من الاطراف كافة و كل حسب هواه و مصلحته دون النظر الى ما يهم الاخر المشارك و مصلحته .
العدو المتشدد المتطرف الذي برز وانبثق بالشكل المعلوم واستغل الواقع المتردي و الاحتقان، اصبح منبوذا من الجميع و هو اليوم النقطة المشتركة لجميع القوى الداخلية و الاقليمية المتصارعة قبل المتحالفة و التي يمكن ان ينحو الجميع خطوة مشاركة الجميع في استئصاله وهو داعش، اي اصبحت لداعش نقطة ايجابية في سير العملية السياسية في المنطقة الاقليمة و العراق ايضا .
لم ينزل العبادي من السماء كي لا نتصور اعادة الاخطاء التي ارتكبت خلال مجريات حكم المالكي، و ان لم يكن يقصد الكثير منها و خاصة في بدايات تسنمه الحكم، فالعبادي رجل الحزب و تاريخه معلوم على الرغم من مدنيته و عقليته المتفتحة بعض الشيء، و من المحتمل ان يخطا ايضا و ربما اكبر من سلفه، لذلك يجب التفكير في منع اعادة الاخطاء بايجاد الوسائل و الخطوات و الكيفية التي تمنع تلك او تقللها على الاقل .
و على هذا الاساس يجب ان يفكر اي من الاطراف في كيفية تلافي الاخطاء برؤيا جديدة صحيحة مختلفة و ملائمة للواقع الجديد لتجنب تلك المواقف الخاطئة التي ارتكبوها من قبل و اليوم نادمون عليها و لا يفيد الندم شيء و انما يجب الاعتبار منها، و منها موقف السنة من الحكومة الجديدة بعد سقوط الدكتاتورية، و موقف الشيعة بعد احساسهم بانهم سيطروا بالكامل على ركائز الحكم و لا يمكن ان يخذها منهم اي احد اخر، و موقف الكورد الذي اعتقد بانه بعيد عن شرور ما تبرز من السلبيات من المركز و اخيرا داعش، و انقلبت عليه كل المعادلات .
اليوم الجميع ينتظر التوجهات و الخطوات الرئيسية، و ما يمكن يتفائل به الجميع هو استخدام العبادي لاليات جديدة و تعامل مغاير جدا و الاعتبار من الماضي القريب و التعامل مع ما موجود على الارض كما هو دون الافكار الطوباية التي لا تغني و لا تسمن احدا و تزيد من الطين بلة . اي ، الطريق المسالم الناجع هي الجلوس مع الاطراف و بيان الراي و اخذ المواقف و الوقوف على ما هي الاصح و الانسب لما العراق فيه و كيف وصل الى ما هو عليه و الاسباب ما وراء التخبط و الفوضى و الاخذ بالصحيح الواقعي دون الاعتبار للخلفية الذاتية .
التركة ثقيلة جدا و توزيع العبء الثقيل على اكبر عدد ممكن من الذين يمكن ان يحملوه، سيساعد الراعي و هو العبادي على حمله في هذه المرحلة . و عليه، بعدما فشلت المركزية و التعنت و الاستناد على القوة في فض المشاكل و التناحرات على الارض و الاعتلاء على التعامل الصحيح مع الاحتقانات والاحتجاجات، لابد ان يُعاد صياغة العملية السياسية بحذافيرها، اي الوقت و الحال و الاطراف المختلفة و المتطلبات عوامل نجاح لكل من يريد البداية الناجحة السريعة لخوض الماراثون التصحيحي لاعادة مسار العملية السياسية وفق ما يرضى به كل طرف منالحصول على طلبه و يكفله الدستور نصا و مضمونا .
كانت الشيعة على اهب الاستعداد ان تُطبق الفدرالية و تاخذ حقوقها كاملة عند سقوط النظام السابق و كانت لينة المواقف و واقعية التفكير، الا انه بعدما سيطرت بشكل كامل على المركز استغلت مواقف الاخرين و خاصة عندما لم تشارك السنة في العملية بشكل ايجابي او بم تتعامل بعقلية جمعية مع الواقع الجديد،و تضرروا كثيرا من ذلك الموقف، و بعد تغيير المعادلات ندمت السنة على مواقفها و ركزت على تطبيق الفدرالية و خضع للامر الواقع و انعكس الموقف من قبل الشيعة، و كان الكورد على الارض ثابتين على موقفهم الفدرالي على الرغم من ضغوطات المركز بعد غروره من سيطرته على مركز الحكم و خضوعه لاوامر الدول الاقليمة من متطلباتهم في الوقوف ضد تطلعات اقليم كوردستان و استمر في محاولاته على مضايقته و وصل الحال الى معاداته و الوقوف ضد تطوره اخيرا و اخذ خطوات عدائية من قطع رواتب الموظفين و فرض الحصار عليه، بدلا من استنساخ ما سار عليه الاقليم و تطبيقه في المناطق العراقية الاخرى، و لم يكن التعنت الذي ابداه المركز و بشخص رئيس الوزراء ياتي من الخلفية الشخصية بقدر تاثيرات الاقليم و مصالحهم و مصلحتهم و مصلحته الشخصية و ما فرضته عليه نواياه و نرجسيته و عمله المضني للبقاء اطول فترة ممكنة في الحكم و تخطيطه لذلك طوال فترة حكمه، و ما ادى به الى التفرد و التحول و الضغط على ما كان عليه العراق من الديموقراطية الهشة الى نوع من الدكتاتورية، و هذا ما فرض عليه التراجع عن العديد من الوعود و التوجهات التي كان يحملها عند تسنمه المنصب و ما وقع عليه في الاتفاقيات سرا و علنا .
اليوم و ما فيه العراق من الفوضى، لا يمكن ان تُحل كل تلك القضايا الشائكة و بهذه العقلية الموجودة من المركز و بتلك الصرامة التي اتخذها المالكي لاسباب شخصية كي يظهر كالرجل الحديدي و قائد العصر، اليوم يحتاج العراق الى العقل الجمعي و ما ينتجه، و العالم جميعا دون استئناء تمارس اللامركزية و تتجه البلدان كافة الى هذه المنحى بشكل اكبر و ان لم تكن انظمتهم فدرالية او كونفدرالية، فتوزيع الادوار و تقسيم السلطات على المقاطعات و الاقاليم و المحافظات اصبح امرا ملحا و من متطلبات الادارة العصرية الناجحة ، فما بالك في واقع كالعراق الذي يحوي شعبا من المكونات الفسيفسائية المختلفة التركيب و الثقافة و التاريخ و الاجتماع و النظرة الى البلد . اذا، الفدرالية الحقيقية المتوازنة و المتساوية الحقوق و الواجبات، و رعاية البلد من المركز في بغداد في امور عامة فقط ،سيكون ذلك بداية المرحلة الجديدة و تعطينا ومضة امل في خضم هذه المتاهات و الوضع الاجتماعي السياسي الاقتصادي الميؤس منه .