عماد علي : هل من مشكلة لو انفصلت كوردستان عن العراق ؟
سمعنا كثيرا الجملة المتكررة من قبل مسؤلي العراق من الاطياف العديدة ( انفصلوا لترتاحوا و نرتاح منكم ) . بهذا الكلام الفضفاض الساخر غير الواقعي السياسي و غير المسؤل، يعيدوا الى الاذهاما مر به الكورد طوال تاريخه . انه كلام سطحي غير معبر و مضلل لا يمت بما يحصل على الارض بشيء، لانه كلام تكبري و كأن الكورد ثقل على الاخر، و لم يُحتسب له ما ضحى من اجله اكثر من اي مكون اخر في العراق، و هو ضحية افعال الاستعمار و سذاجة قياداته في حينه .
المحير في الامر، عندما تدخل في تفصيلات الامر و من اجل الوصول الى الحل النهائي لما يمكن ان يكون عليه الكورد في العراقمثلا، سترى من يتدخل و يبرز هنا و هناك و من يتزايد اضافة الى بروز الشروط غير المنطقية و لا الواقعية في كيفية حل المعادلات و الوصول الى نهاية المطاف، كي يستريح الجميع من اعصى مشكلة في منطقة الشرق الاوسط و التي يمكن استهلال بداية حلها من العراق .
بتاسيس الدولة الكوردية يمكن حل الجزء الاكبر من مشاكل العراق الحالية ، و لكن هذا ليس بامر سهل او قابل التطبيق في واقع معقد و في حالة حرب للمنطقة و في حال كما هي عليه الكورد بين الدول التي انقسم عليها منذ قرن تقريبا . لو حللنا المعادلات : اي اعلان او توجه بهذا المسار لا يعجب تركيا قبل اي احد اخر، و تفعل ما بوسعها لمنع تطوره من جهة، و ربما تعمل ايران بشكل اخف لو كان ما يحصل لا يؤثر على استراتيجيتها، و حال سوريا ليست بمكان ان تفعل ما بامانها لمنع اية خطوة لمدة طويلة مستقبلية ان بقت على حالها الانية . و لا يمكن التوجه الا باسرتضاء التام للعراق و دون اي حيل او خطط لاسترجاع حال اقليم كوردستان بخطوات استفزازية لاعدائه الى الوراء . اي المانع الاكبر في هذه الخطوات و البارز من المعادلات الكثيرة هو تركيا و سياساتها. و الخط الاستراتجي التجاري لاقليم كوردستان لا يمكن التقدم فيه الا باسترضاء تركيا، اي الوضع الاقتصادي رهينة تركيا بشكل مطلق تقريبا .
الخطوات التي يتبعها حزب العمال الكوردستاني في هذه المرحلة من الواقعية بحال يمكن ان نركع خشوعا لممن خطط لها و هي من الواقعية الناجحة و القراءة الجميلة للمرحلة و المراجعة الذاتية التي ادت الى تغيير استراتيجيتهم الكبيرة باتجاه يمكن ان يقدم من قضيتهم الى الامام على ارض الواقع و تفرض نفسها على الجميع و ان لم يقتنعوا ايضا، و دون اي اعتراض عالمي، الذي كان المانع الاكبر دائما في حل المشكلة الكوردية في تركيا منذ انبثاق حزب العمال الكوردستاني مناصفة مع الممانعة الداخلية التركية، اي لم تُمد يد المساعدة الضرورية المطلوبة الى الكورد هناك، لكونه حمل شعار الاستقلال و الانفصال و دخل قائمة الارهاب لاسباب سياسية قحة فقط دون ان يكون للحزب اي صلة بالارهاب، بل كل ما ادعاه هو تحقيق الاهداف الحقة لاكثر من عشرين مليون من الشعب المغدور في تاريخه . المرئي في الامر ان اي تقدم في القضية الكوردية في كوردستان الشمالية هو مسند و داعم قوي لما يمكن ان يصل اليه الكورد في كوردستان الجنوبية . و لا يمكن الوصول الى الخط النهائي للحل في كوردستان الجنوبية دون الاستقواء بالاوضاع الدائرة في الشمال و الشرق من كوردستان، و يجب ان يوصلا الى حال يمكنهما من شد ازر الدولة الفتية التي يمكن ان تنبثق من كوردستان الجنوبية .
مما تقدم يوضح لنا ما نحن فيه من التعقيدات و ليس الحل في تصريح او نية مهما كانت صادقة او كاذبة او تضليلية حول ما يهم الكورد و مستقبلهم، فان استهزئوا او كانوا جديين ، على الكورد انفسهم ان يقراوا ما يدور في المنطقة والعالم و يفسروا الواقع و المرحلة والمعادلات، و من ثم و قبل اي شيء عليهم ان يبحثوا عن التعاون المتكامل للاجزاء الاربعة لوضع الاولويات لكل جزء في بيان اهدافه و شعاراته . فالشعارات التي توصل اليها و الاهداف التي تبناها السيد اوجلان بعبقريته لتحليل الواقع الحالي لمنطقة الشرق الاوسط و ما يمكن التوصل اليه في كوردستان الشمالية قد فسح المجال لكوردستان الجنوبية و الغربية في ساحة واسعة للعب بشكل علني و واضح من اجل تحقيق الاهداف الممكنة، فالديموقراطية و اللامركزية و انبثاق الكانتونات ليس بامر اعتباطي و لم يبرز من الياس السياسي من تحقيق الاهداف السابقة، بل نتاج مخاض عقلاني طويل و ناتج عصر عقلاني فذ و كبير لخدمة الكورد جميعا .
الخصوصية التي يمكن ان يتمتع بها اي مكون ضمن القومية الكوردية ايضا، و ليس ضمن شعوب دول المنطقة فقط لتحقيق الاهداف الخاصة بهم لامر في غاية الاهمية و من نخاع الديموقراطية و لبها . و هنا جاءت اهمية دراسة المكونات المختلفة للكورد من الايزيدية و الكاكائية و الهورامية و من لهم خصوصيات دينية و مذهبية، و يمكن ان يتميزوا بها عن الاخرين، لابد ان يؤخذ بعين الاعتبار في تحقيق اهداف الجميع بسلة عمليات واحدة معتمدة على الفلسفة الديموقراطية الجديدة التي توصل اليها واجلان في بحوثه الاخيرة و نظرته الى المنطقة والواقع الجغرافي التاريخي السياسي الموجود و ما يفيد الكورد .
اذا، المرحلة الحالية للمنطقة التي يعيش فيها الكورد مليئة بالتحولات و ليست مستقرة ، اضافة الى حرب داعش في الوقت الحاضر ، و اي قرار يمكن ان يتخذه الكورد في اي جزء من كوردستان يحتاج لدراسة و ما يتبع القرار او يتسرب ويفرز منه بعد المعطيات التي تصدر منه، مما تدعي الى حزم الامر جيدا قبل اتخاذه ، اي دراسة اصعب الاحتمالات لكل قرار و بضمان النجاح من عدة جهات .
لنا ان نقول ، ان المرحلة الحالية هي مرحلة انتظار لامور عديدة لمدة ربما تختلف زمنها من جزء لاخر من كوردستان، فلا يمكن ان تكون القرارات المتخذة في اي جزء متزامنة او متوافقة مع الاخر ، و هذا ما يدع الى الحذر و التقدم بخطوات بمسؤلية كبيرة و دقة متناهية .
لا يمكن البت بانفصال اي جزء لو لم تكن الافق منظورة منذ البداية من جهة، و لو لم تكن الاجزاء الاخرى متهيئة لسند الجزء الاكثر ملائمة لاقرار الاستقلال و التقدم في الخطوة الاولى دون اي حرج ممكن للاجزاء الاخرى من جهة اخرى . و عليه فان الانفصال ليس امرا مستحيلا و لكنه صعبة الخطى ، و ربما يواجه الاستعصاء من قبل من يتضرر و يحتاج لصمود و مقاومة ، و لا يمكن ذلك دون بناء او وجود الارضية القوية المستقرة لكوردستان من النواحي السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، اي الاتحاد والوحدة القومية المطلوبة اضافة الى الاماكنية الاقتصادية الكبيرة التي يمكن ان تحتاجها كوردستان لسنين مابعد الاعلان و الاقرار للصمود و مقاومة الاعتراضات التي يمكن ان تبديها الدول التي تنقسم عليها كوردستان . و اني على يقين من ان الوصول الى الهدف ليس بمستحيل الا ان الواقع السياسي الاقصتادي الاجتماعي الحالي لا يشجعنا على دفع اي منا الى التفكير في المرحلة الحالية لاتخاذ اي قرار من هذا الشان ، و لا اعتقد ان الاعتباطية و الاعتماد على الاحتمالات المفتوحة و غير المضمونة سيكون الحل الانجع لمثل هذه القرارات المصيرية الهامة لشعب يعاني من ايدي الاحتلال و الاستعمار و الظلم منذ عقود طويلة . اذا ، الانفصال او تاسيس دولة لا يمكن ان ينجح بقرار منبثق من رد فعل ازاء استفزاز مسؤل هنا و هناك، بل يجب ان يُدرس و يُبنى على اساس متين غير قابل للتشقق نتيجة اية زلة او هزة مهما كانت قوية .