ئامانج ناجي نقشبندي : الحلم الفارسي الذي طال إنتظاره .
لعلنا لا نأتي بجديد إذا قلنا بأن جيران الكورد من الأتراك والعرب والإيرانيين على حد سواء وعلى مدار عقود من الزمن لم يتفقوا سوى على فكرة واحدة وحديث واحد في السر والعلن .. الحديث عن وحدة الأراضي العراقية في إشارة مباشرة أو غير مباشرة الى إتهام الكورد بتقسيم العراق والإنفصال عن الكيان العراقي .
الدولة العراقية الحديثة والتي تأسست بداية عشرينيات القرن الماضي من قبل بريطانيا بعيد الحرب العالمية الأولى وتداعياتها على المنطقة التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية التي كانت طرفا خاسراً في الحرب التي إنتهت بإنتصار الحلفاء بقيادة بريطانيا وعلى دول المحور بقيادة الإمبراطورية الألمانية آنذاك الى جانب العثمانيين ، وإنشاء دول عربية حديثة لا تتمتع بإستقلال كامل ومنها العراق حيث إندلعت حينها إنتفاضة العشائر والقبائل العراقية في مدن أو ولايات العراق الكبرى بغداد والموصل والبصرة والتي سميت بثورة العشرين أي عام (1920) . وفي مؤتمر القاهرة الذي عقدته المملكة المتحدة في شهر مارس من 1921 تم إقرار إنشاء دولة ملكية في العراق .. دون أن ننسى إتفاقية (سايكس- بيكو) قبلها في عام (1916) والتي كانت نوعا التفاهم السري المسبق بين فرنسا والمملكة المتحدة والإمبراطورية الروسية لما بعد الإنتهاء من الحرب العالمية الأولى والقضاء على الدولة العثمانية ، والإتفاقية لم تعلن إلا بعد وصول الشيوعيين الى سدة الحكم في عام 1917 ،والتي تمخضت عنها تقسيم كوردستان الى أربعة أجزاء وكل جزء منها أصبح تابعاً لدولة أخرى .. وفيما يخص العراق وإلحاق جنوب كوردستان بمملكة العراق بحجة الحفاظ على التوازن المذهبي في الدولة الحديثة لتكون قادرة على البقاء والإستمرارية .. شريطة أن يتم الحفاظ على الهوية الكوردية وإعطاء الحقوق القومية لهذا الشعب في أطار المملكة العراقية الى جانب المكونات الأخرى الموجودة داخل العراق ، ولكن هذا التوازن المذهبي لم يتحقق لحد هذه اللحظة والتعهدات البريطانية التي كانت الحاكم الفعلي للعراق فيما يخص الحقوق القومية لكورد العراق ظلت حبرا على ورق على الرغم من وجود شكل من أشكال الإستقرار السياسي والحياة البرلمانية إبان الحكم الملكي .
والحال لم يتغير الا نحو الأسوأ بعد الإطاحة بالحكم الملكي وإنقلاب عام 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم و سلسلة الإنقلابات التي تلت بعد ذلك التأريخ ، ولما يقارب النصف قرن أي من (1958 الى 2003) و إقصاء النظام البعثي الحاكم بقيادة صدام حسين أرتكبت ضد الشعب الكوردي جرائم لا تعد ولا تحصى إبتداء الإتهام بالخيانة و النزعة الإنفصالية والتهجير والتعريب والتبعيث و هدم القرى بمساجدها وجرائم الإبادة الجماعية وإستخدام الأسلحة المحرمة دوليا ضد المواطنين العزل و حملة الأنفال السيئة الصيت و سلسلة من الجرائم والمظالم تكاد لا تنتهي وسط صمت مطبق من قبل الأسرة الدولية بشكل عام و الدول الإقليمية العربية والإسلامية بشكل خاص والحجة هي نفسها لا تتغير (وحدة الأراضي العراقية) .
وبعد حرب تحرير العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عام 2003 وتسلم الشيعة مقاليد الحكم في العراق و ظهور الجماعات المسلحة المقاومة للإحتلال الأمريكي سنية وشيعية المدعومة من أيران و دول الجوار و الحرب الطائفية الدامية ومن ثم المحاولات الايرانية و السورية المستمرة لإغراق الولايات المتحدة بما أسموه بالمستنقع العراقي لم يعد السؤال المطروح من يتدخل بالشؤون الداخلية للعراق بل من لا يتدخل ؟! وبلا شك كانت لإيران اليد الطولى عن طريق الأحزاب والتيارات الشيعية المتواجدة في الساحة السياسية العراقية والموالية لايران والتي و لعقد من الزمن حاولت بشتى الوسائل تهميش المكون السني و من جهة و الكورد من جهة أخرى وعندها سيكون من السهولة بمكان السيطرة على العراق و حينها و تحت ستار التمذهب أو بالأحرى التشيع ستتمكن دولة إيران الفارسية من تحقيق حلم إستمر لأكثر من الف وأربع مئة سنة، حلم احياء الإمبراطورية الفارسية والتي كانت مدينة المدائن (جنوب شرق بغداد) عاصمة لها في العهد الساساني ما قبل الإسلام .. حلم ضل يراود ايران الفارسية قبل ايران الاسلامية أو الشيعية ، وهذا ما صرح به أخيرا قبل أيام قلائل بعد صبر طويل مسؤول أيراني رفيع المستوى وليس أي مسؤول (علي يونسي) وزير الإستخبارات السابق في حكومة محمد خاتمي و مستشار الرئيس الحالي حسن روحاني .. قالها بكل صراحة و وضوح لا لبس فيه فهو يعتبر العراق مركز حضارتهم و ثقافتهم و هويتهم الفارسية .. قائلا اليوم كما في الماضي سنعيد إحياء الإمبراطورية الفارسية وستكون العاصمة بغداد مركزا لها ، وطوال الأيام الماضية يحاول المسؤولين في أيران تدارك الموقف ولكن دون جدوى ، من خطأ في الترجمة تارة الى إخراج الحديث من سياقه تارة أخرى أو غير ذلك من الحجج الواهية ، وسط صمت رسمي رهيب من جانب الحكومة العراقية اللهم إذا إستثنينا تصريح إبراهيم الجعفري المثير للسخرية حول (عدم السماح بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق) ، أولم يقترح قائد أحد المليشيات الشيعية المسلحة إقامة تمثال ل (قاسم سليماني ) مسؤول فيلق القدس الايراني في بغداد ؟!! وهنا يظهر جليا بأن الكورد لم يكونوا يتآمرون لتقسيم العراق أو الإنفصال عنه .. بل غيرنا الذي يتآمر ليحقق حلما طال إنتظاره،فهل الزمن سيعود الى الوراء ، أم أن زمن الإمبراطوريات قد ولى ،دون أن ننسى بأن الكورد لديهم كل الحق أسوة بجميع شعوب العالم بأن تكون لهم دولة مستقلة .