ئامانج ناجي نقشبندي : التحالف العربي والمخاوف الكوردية .
أصبح تشكيل التحالف العسكري العربي الحدث الأبرز والشغل الشاغل على المستويين الشعبي والرسمي وعلى المستوى الإعلامي أيضا في الأيام القليلة الماضية ، وقد تبلورت الفكرة بداية من قبل الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) ليتم طرحها على الملك (سلمان بن عبدالعزيز) ملك الملكة العربية السعودية بعد قيام المتطرفين الإسلاميين بإعدام (21) من الأقباط المصريين في ليبيا .وتلت بعد ذلك أحداث اليمن وإنقلاب الحوثيين بقيادة زعيمهم عبدالملك الحوثي بدعم من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة و إيران (التى تبذل كل الجهود الممكنة لبسط سيطرتها على الخليج العربي و مقدراته ) من الجهة الأخرى على الشرعية في اليمن المتمثلة بالرئيس (عبد ربه منصور هادي ) وحكومته وسيطرتها على المدن اليمنية الرئيسية ومؤسساتها الرسمية ومخازن الأسلحة و المطارات .
لتجري الدول العربية والجامعة العربية الإستعدادات اللازمة لعقد قمة عربية في منتجع شرم الشيخ المصرية ،والتي إنعقدت نهاية شهر آذار المنصرم وتمخضت عنها تشكيل تحالف عسكري عربي بقيادة العربية السعودية بمشاركة دول الخليج ومصر والسودان والأردن والمغرب و باكستان التي تعد حليفا إستراتيجيا مهما للعربية السعودية و تربطهما علاقات تأريخية وثيقة ، فيما نأت سلطنة عمان بنفسها عن المشاركة (وهو تحالف بلا شك تشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية) ، مشابه الى حد ما للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكل بعد إحتلال العراق لدولة الكويت والتي ضمت بعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ومصر وسوريا . وتهدف الدول العربية من خلال هذا التحالف حسب ما يشاع الى القيام بأعمال عسكرية مختارة بنوع من الإنتقائية ومواجهة التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة بما في ذلك تهديدات الجماعات الإرهابية بناء على طلب من الدولة المعنية ،و جاء على لسان (نبيل العربي) الأمين العام للجامعة العربية في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير خارجية جمهورية مصر العربية (سامح شكري) خصص لتلاوة البيان الختامي لإعلان شرم الشيخ حيث قال أن قرار إنشاء قوة عربية مشتركة هو أهم ما صدر عن القمة العربية ، مشيرا الى تأييد و دعم عملية (عاصفة الحزم) في اليمن بعد أن فشل كل الجهود المبذولة للتوصل الى الحل السلمي للإنقلاب الحوثي .
وبالحديث عن اليمن و التحالف وتشكيل التحالف المذكور و عاصفة الحزم التي بدأت عملياتها ضد الحوثيين ومن ورائهم إيران الذين يحاولون السيطرة على مقاليد الحكم علينا أن نشير الى الموقع الجيو- ستراتيجي و أهميته على مستوى الإقتصاد والتجارة دوليا فمضيق باب المندب التابعة إداريا لمحافظة تعز والتي تبعد عن مدينة عدن حوالي (205) كم تعتبر جسرا إقتصاديا بين الشرق والغرب حيث تعبر منها سنويا (21000) من السفن وناقلات النفط العملاقة وهي نسبة تصل الى 40% من مجموع السفن و الناقلات التي تعمل في هذا المجال ،وتعد رابع أكبر خط شحن بحري للنفط في العالم ، وحصول أي نوع من الإضطرابات والمشاكل الأمنية كتلك التي حصلت في الآونة الأخيرة من الحوثيين من شأنها أن تهدد مصالح الدول الكبرى لتشكل خطرا على الإقتصاد العالمي و أسعار النفط بشكل عام و الإقتصاد السعودي والخليجي بشكل خاص و هذا أمر لايمكن السكوت عليه عربيا ودوليا و سيطرة المليشيات المتطرفة على اليمن قد تعني بالضرورة سيطرة إيران على هذه المنطقة الحيوية و هذا بحد ذاته خط أحمر لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة .
وقد يكون قلق تلك الدول التي إنظمت الى التحالف المذكور قلقا مفهوما و حتى مبررا ،دول الخليج والعربية السعودية على وجه الخصوص لمسائل تتعلق بالإقتصاد والتجارة و تصدير النفط من جهة و التمدد الحوثي – الإيراني من جهة أخرى أو مخاوف الدول الغربية من إنهيار إقتصادي وقطع إمدادات النفط بسبب ما تسببه تلك الإضطرابات سواء في اليمن أو باب المندب و تأثيره السلبي على البحر الأحمر وقناة السويس والإقتصاد المصري بوجه الخصوص… و بالرجوع الى الوراء قليلا الى ما سمي آنذاك بالعدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا و فرنسا و إسرائيل أو ما أطلق عليه أزمة قناة السويس إثر تأميمها من قبل الزعيم جمال عبدالناصر و غلق القناة لمدة خمسة أشهر ونصف ،وما نتج عنه من نقص للنفط الخام في أسواق غرب أوروبا و إنخفاض في إحتياطيات هذه الدول من الذهب والعملات الصعبة بسبب إضطرارها الى إستيراد النفط الخام الأمريكي التي إرتفعت أسعارها في تلك الفترة بنسبة 25% ولو إستمرت مدة غلق القناة لأكثر من تلك المدة لتحولت الأزمة الأوروبية الى كارثة إقتصادية عالمية ، وتقدر ايرادات القناة في الوقت الراهن بأكثر من خمسة و نصف مليار دولار سنويا ، لذلك نجد بأن القلق الدولي و العربي تجاه الإظطرابات في اليمن و تشكيل تحالف عربي لمواجهة الإنقلاب الحوثي و الخطر الايراني له مايبرره ، وعمليات (عاصفة الحزم) جاءت كرد سريع من قبل الدول المذكورة للوقوف بوجه هذا الخطر المحدق الذي يهدد المنطقة برمته .
ولكن القلق الذي لم نجد له تبريرات منطقية وقد نعجز عن تفسيره كان قلق بعض الأوساط الكوردية من سياسيين و دبلوماسيين و محللين تجاه التحالف العربي طوال الأسبوع الماضي والتي أشارت اليه وسائل الاعلام الكوردية في إقليم كوردستان العراق و المخاوف المستقبلية المترتبة على الكورد في العراق تحسبا لتدخل هكذا تحالف بالشؤون الداخلية في العراق فيما يتعلق بالمطالب الكوردية في المستقبل المنظور أو القريب والتي تقاتل على كل الجبهات ولعام مضى واقفة بوجه مليشيات داعش الإرهابية العدو الشرس المدجج بالسلاح بيابة عن كل العالم المتحضر بمساندة دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا وفرنسا والمانيا و دول أخرى كثيرة . فأهم اسباب قيام و تشكيل التحالف العربي كانت الوقوف بوجه الإرهاب ، والكورد في العراق حكومة وشعبا هم أكثر من وقف بوجهه وقدموا تضحيات جسمية ولا يستطيع أحد لا في العراق ولا خارجه المزايدة عليهم في مسألة الوقوف بوجه الإرهاب ، و لا يعدو كونه تحالفا آنيا ولن يستمر طويلاً وتنتهي مهامه بإنتهاء العملية العسكرية في اليمن عن طريق عملية عاصفة الحزم العسكرية ،ولنتيقن من ذلك ليس علينا الا أن نبحث قليلا في متون الكتب فيما يخص كل التحالفات و ومحاولات الوحدة و مجالس التعاون العربي عبر التأريخ .. أين وصلت محاولات الوحدة بين الدول العربية منذ أيام الرئيس جمال عبدالناصر ؟ هل إستطاعت الجامعة العربية (الخيمة الكبرى لكل الشعوب والدول العربية) ولو لمرة واحدة أن تقف في طريق نشوب حرب في المنطقة ؟ إرتكب نظام البعث في العراق أبشع أنواع الجرائم تجاه الشعب العراقي …فأين كانت الجامعة العربية آنذاك ؟ أين الجامعة العربية من كل المدن و الأراضي و الجزر العربية المحتلة بدء من سبتة ومليلة في المغرب وصولا الى الإسكندرون و إنتهاء بالجزر الإماراتية ؟ هل إسترجعت الجولان ؟ وعن فلسطين فحدث ولا حرج . وبالعودة الى الحديث عن التحالفات و مجالس التعاون و الإتحادات العربية و مشاريع الوحدة السياسية أو حتى الإقتصادية .. كيف إنتهت الوحدة بين مصر و سوريا أيام عبدالناصر ؟! أولم يظهر الإتحاد المغربي كفكرة قبل الإستقلال عن الإستعمار في عام 1958 حتى تم الإعلان عن قيامها في 1989 بمدينة مراكش من قبل خمس دول وهي المغرب والجزائر وتونس و ليبيا و موريتانيا .. فأين توقف القطار المغاربي ؟ . أولم يكن مجلس التعاون العربي في أواخر الثمانينات بين العراق و الأردن ومصر و اليمن مجرد حبر على ورق قضى عليه صدام حسين بإحتلاله لدولة الكويت ؟ .
إذا كل هذه العوامل و الاحداث التأريخية تخبرنا بأن التحالف العربي و عملية عاصفة الحزم ما هو إلا إطار مرحلي قصير المدى سينتهي بمجرد إنتهاء مهامه في اليمن و لن يكون إتفاقا ستراتيجيا بعيد المدى ، والقلق الكوردي تجاه مهام و مستقبل هكذا تحالفات لا يغدو إلا أن يكون قلقا لا منطقي و غير مبرر ، فالخطر الحقيقي بعد الحرب والدفاع المقدس ضد مايسمي بالدولة الإسلامية يكمن بالوضع العراقي الداخلي و صراع المركز مع الإقليم من جهة فيما يتعلق بالمسائل المالية و النفط و الميزانية من جهة و المحاولات المستمرة للأغلبية في العراق وبدعم مباشر من الجمهورية الإسلامية بتهميش المكونين السني و الكوردي على الساحة السياسية و هذه بحد ذاته قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة لا تبقي ولا تذر .