ئامانج نقشبندي : ليس لدى الرئيس من يستشيره ؟
منذ أكثر من عقد ونيف من الزمن و بالتحديد منذ سقوط النظام السابق عام 2003 و لحد هذه اللحظة و الشعب العراقي يعاني الأمرين ، العنف الطائفي والقتل على الهوية والإرهاب والتفجيرات والسيارات المفخخة التي أودت على مدى تلك السنوات بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء ، والفساد المالي والأداري وإحدى أبرز معالم هذا الفساد سواءً في الحكومة المركزية أو داخل أروقة حكومة إقليم كوردستان وجود المئات ممن يتقاضون مراتب خيالية وإمتيازات وحقوق لا حصر لها في تم تعينهم في دوائر ومؤسسات الدولة بموجب المخاصصة الطائفية و الحزبية بوصفهم (مستشارين) .
ولكن ومن خلال التجربة والإطلاع على طبيعة مايجري على أرض الواقع ندرك بأن المستشار لا يستشار أو على أقل تقدير لا يتم الأخذ برأيه، والمسألة ببساطة من وجهة نظر الطبقة السياسية إن هي إلا شغل مناصب و رواتب وإمتيازات لأشخاص معينين محسوبين أو مقربين من شخصيات متنفذة أو جهات و أحزاب معينة أكثر من كون هؤلاء مؤهلين علميا لخدمة الدولة و مفاصلها وتقديم العون و المشورة عند الضرورة ،ولا نستطيع إلا أن نطلق على هذه التعينات أو هذه المناصب سوى هدر للمال العام .
و في الوضع الراهن الذي نمر به في إقليم كوردستان وتحت وطئة أزمات لا حصر لها سواء تلك التي تتعلق بما يدور بين الإقليم و المركز منذ أكثر من عام مضى والمسائل المتعلقة بالميزانية و رواتب الموظفين والمستحقات المالية و تصدير النفط و تنظيم عائداته و الأزمة الإقتصادية الخانقة و مأساة النازحين من جهة و الحرب الضروس الدائرة مع داعش و إرهابه بدء من خانقين وسعدية وجلولاء مرورا بكركوك في مناطق البشير و تل الورد و وصولا الى كوير و مخمور و إنتهاء بمدينة شنكال والموصل من جهة أخرى و التي خلفت آلاف الشهداء والجرحى و الأسرى ، والتدخلات والمؤامرات الخارجية والمناورات وحتى المزايدات السياسية الداخلية .. طفت الى السطح أزمة أخرى هذه المرة بين الأحزاب السياسية على الساحة الكوردستانية وهي أزمة تعديل الدستور و قانون رئاسة الإقليم وبقاء الرئيس مسعود البارزاني لسنتين أخريين بموجب توافقات سياسية بين القوى الكوردستانية إضافة لفترتين رئاسيتين من كانون الأول 2005 الى تموز2013 ، وإن هي إلا أياما معدودات و تنتهي مدة التمديد لولاية السيد مسعود البارزاني كرئيس لإقليم كوردستان .. ويطالب المكتب السياسي للحزب الديمقراطي هذه المرة أيضا بضرورة التمديد سنتين أخريين وإعطائه الفرصة لتكملة فترة ثالثة في منصبه ، فيما تطالب الأحزاب الأخرى كما حدث في 23 حزيران تنحيه عن المنصب أو على أقل تقدير تقليص صلاحياته التي يراها البعض من الاحزاب السياسة صلاحيات واسعة أو كما يقال تعديل قانون رئاسة الإقليم . فالبارزاني وكما هو معلوم بالإضافة الى شغله منصب رئيس الإقليم هو قائد عام للقوات المسلحة و المسؤول الأول لمجلس الأمن في الإقليم و صاحب قول الفصل في العلاقات الخارجية الى جانب سلطات قضائية واسعة و تعيين أعضاء الإدعاء العام و منح الرتب العسكرية وإصدار العفو العام عدى عن سلطات وصلاحيات أخرى كثيرة .. و هذه الصلاحيات ومن وجهة نظر الأحزاب السياسية (غير الديمقراطي الكوردستاني) صلاحيات واسعة تتناقض مع النظم والأسس البرلمانية المتبعة في الإقليم ، وخلاصة الكلام يتمحور مطالب الكتل الأخرى في تعديل قانون رئاسة الإقليم ليكون منصبا تشريفاتيا أو بروتوكوليا بلا صلاحيات و سلطات تستحق الذكر .. و الهوة تتسع يوما بعد يوم بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والكتل السياسية الأخرى ، الأمر الذي قد يجرنا لا سمح الله الى العودة الى الوراء في هذه الظروف العصيبة الى حكم الإدارتين ، السليمانية و أربيل في تسعينيات القرن الماضي و السيناريو الأكثر رعبا و خطورة قد يجر المنطقة الى حرب أهلية و إقتتال داخلي الكل في غنى عنه .
و هنا يأتي الدور على السؤال الذي يطرح نفسه أين موقع جيش من المستشارين من موقع الإعراب ، أين صوت العقل والحكمة ،لماذا هذا الإصرار و التعنت من كلا الجانبين .. ولنبدأ من المعارضة التي لو إجتمعت يوم الثالث و العشرين من حزيران المنصرم و بدل أن توحد كلمتها في أمر في الوقوف بوجه الفساد المستشري داخل الإقليم وهو أمر يعاني منه كل مواطن في هذا البلد ( والدليل ما قام به مؤخرا السيد حيدر العبادي بعد الإحتجاجات والمظاهرات الأخيرة في المدن العراقية ، مستندا على الدعم المطلق للمرجعية الدينية تجاه إجراء الإصلاحات ) وحدت كلمتها فيما يراه الكثيرين نوعا من المزايدة و المناورة السياسية كل بمقتضى مصالح معينة ضد بقاء البارزاني و تعديل قانون رئاسة الإقليم ليتم إختيار الرئيس من داخل أروقة البرلمان الكوردستاني بلا سلطة و بلا صلاحية ، صنم لا حول له و لا قوة ( وكأن مايحدث في بغداد و رئاسة السيد فؤاد معصوم ليس كافيا لنتعلم منه) .
وفيما يخص إصرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني و مسألة التمديد له ليبقى رئيسا لسنتين إضافيتين ، و السؤال هنا للمستشارين و المخلصين و المقربين من قمة الهرم الرئاسي هل إستطاع الرئيس أن يقوم ما تمنى عليه المواطنوا الإقليم أن يقوم به خلال عشر سنوات مضت ، أين دولة المؤسسات الذي ننتظره منذ 25 سنة ؟ الى أين و صلنا في ملف محاربة الفساد ؟ ولا يزال المواطن يفتقر الى أبسط الحقوق كالماء والكهرباء و النفط والغاز ، أين الوعود الإنتخابية و الرخاء والرفاهية ؟ الا يزداد الأغنياء غنى يوما بعد يوم ؟ و الفقراء يزدادون فقرا. ألا يتكبد المستشارون عناء السؤال لدى السيد الرئيس ما الذي لم يكن بالإمكان تنفيذه خلال سنوات عشر سيصبح بالإمكان القيام به خلال عامين من الزمن ؟ أولم تسألوا أنفسكم يوما لما يتراجع نسبة المصوتين للحزب الديمقراطي الكوردستاني إنتخابات تلو أخرى بدءً من أكثر من خمسين بالمئة قبل أكثر من عقدين من الزمن الى أقل من أربعين بالمئة بالرغم من صرف ملايين الدولارات و بالرغم من أنكم تسيطرون على مقاليد السلطة والمال و التجارة ، و توزعون الأموال و الهبات والرواتب لآلاف من الأشخاص قد لا يستحقونها .
ما الذي يمكن أن يحدث خلال هذين السنتين ولم تستطيعوا أن تفعلوه في عشر سنوات مضت ؟ هل ستم فيه القضاء على الدولة الإسلامية (داعش) التي قامت بإحتلال جميع المدن في غربي العراق تقريبا مرتكبة أبشع الجرائم في تأريخ البشرية ؟ أشك في ذلك و تصريحات أكثر من مسؤول أمريكي حول مدة تتراوح بين خمس الى عشر سنوات وأكثر لازمة الى القضاء على هذه المنظمة الإرهابية يدعم الى ما أرمي اليه .
هل ستحدث معجزات في ملف محاربة الفساد في هذين العامين أم أن زمن المعجزات قد ولى ؟ هل سنحقق طفرة إقتصادية لم نستطع القيام به قبلاً خلال عشر سنوات ؟ هل سيتحقق السلام والوئام ؟ هل سيتم الإعلان عن الدولة الكوردية في هذين السنتين من ولاية الرئيس و لا نكاد نلمس تغيرا إيجابيا لا على الصعيد الداخلي والإقليمي و الدولي أللهم الا وعودا كاذبة في غرف مظلمةتحولت الى سراب منذ عقودٍ وعقود ؟ هل ستتغير المواقف المعادية تجاه إنشاء دولة كوردية من جانب كل من إيران و تركيا ؟ ألم نخذل من الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب مرات و مرات ؟ أم أن الرئيس يبحث عن مجد شخصي حاول خلال السنوات الماضية تحقيقه ليكون إعلان الدولة الكوردية المستقلة في فترة بقاءه في سدة الحكم في إقليم كوردستان و لكن الظروف على أرض الواقع لم تكن مواتية .
فقد آن الأوان أن نقول لمستشاري الرئيس (إن كان له مستشارين يتم الإستماع لهم والأخذ برأيهم) حباً بالله و الوطن و دماء الشهداء و دموع اليتامى والأرامل قولوا له رفقا بنا و رفقاً بتأريخك و إسمك و نضالك و تأريخك .. هذا المنصب ، هذا الكرسي لم ولن يضيف لك شيئاً قالها لك العدو قبل الصديق ، فكنت أكبر منه و لم يكن أكبر منك لأنك أصبحت رمزاً و مرجعا سياسيا لا يمكن تجاهله سواء كنت رئيس الإقليم أم لم تكن .