ئامانج ناجي نقشبندي : سيدي الرئيس … إذا أردتَ أن تطاع ؟ .
في خضم الكم الهائل من الأزمات التي نعاني منها في إقليم كوردستان ، سواء تلك الخارجة عن إرادة الكورد حكومة و شعباً و منها إنهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية و الصراعات الإقليمية و الدولية و الحرب الدائرة والمفروضة علينا نحن الكورد مع ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) والذي أبلى فيه قوات البيشمركة بسالة لا تضاهى و كانوا ولا يزالون وبإعتراف العالم أجمع القوة الوحيدة التي تقاتل الإرهاب على الأرض بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن العالم الحر .. بالإضافة الى أزمات أخرى تتعلق بالخلافات مع الحكومة المركزية في بغداد حول الميزانية و إيرادات النفط و الرواتب و ما الى ذلك ، الى جانب المشاكل الداخلية في البيت الكوردي بين الأحزاب السياسية الرئيسية في الساحة السياسية بالأخص الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة ( مسعود البارزاني ) و حركة التغيير بقيادة ( نوشيروان مصطفى ) وأحزاب أخرى متحالفة معها ، والتي تتعلق بكيفية إدارة شؤون الإقليم و ملفات الفساد المالي و الإداري و المطالبة بإجراء الإصلاحات و تفعيل البرلمان ..
في ظل كل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها المواطنون في إقليم كوردستان عادت قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني و على لسان أكثر من مسؤول و على رأسهم السيد ( مسعود البارزاني ) الذي وحسب بيان صدر من مكتبه في بداية الشهر الجاري ، يقول فيه بأنه حان الوقت لتنظيم إستفتاء بشأن إقامة دولة مستقلة في كوردستان ، مضيفاً لقد حان الوقت لشعب كوردستان أن يقرر مصيره عن طريق الإستفتاء .. معتبراً بأن الوضع الآن مناسب جداً لإتخاذ هذا القرار (حسب رأيه ) ، مع تأكيده بأن الإستفتاء لايعني أن يعلن شعب كوردستان دولته فور ظهور النتائج ، بل يعني أن يعرف الجميع ما الذي يريده الكورد لمستقبلهم و كيف يختارون مصيرهم .
سيادة الرئيس … هنا يجب أن نقول و من حيث المبدأ بأن الكلام و التصريحات بشأن الإستفتاء و الإستقلال كلام منطقي و معقول و لا غبار عليه ، يظل حلم الإستقلال و إعلان الدولة الكوردية حلماً نتمناه ونريده أن يتحقق ، و لا شك بأن الشعب الكوردي و بكافة توجهاتهم الفكرية والعقائدية متفقون على هذا ، و متفقون أيضاً بأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى .
سيادة الرئيس … إسمح لي بأن أعود لبضع سنوات الى الوراء لأقتبس بعضا من عباراتك خلال العديد من المناسبات والمقابلات حول حق الكورد في أن يكون لهم كيان أو دولة مستقلة ، فلقد قدمنا تضحيات خلال عقود و عقود من الزمن ما يساوي إعلان إستقلال أكثر من دولة . و أضيف على هذا الكلام بالقول أن كانت دولة الجزائر تفتخر بأنها تلقب بدولة المليون شهيد بعد صراع مسلح مع الإستعمار الفرنسي و إحتلال دام لأكثر من قرن من الزمن ، فنحن الكورد قد ظلمنا من قبل السياسة و التأريخ و الجغرافيا و المؤامرات و الإتفاقيات الإستعمارية الدولية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ليتم توزيع كوردستان أرضا وشعبا على دول الجوار ليتم التعامل معنا بالحديد والنار ، و يعرف القاصي والداني الجرائم التي أرتكبت من قبل تلك الدول بدء بإستخدام الأسلحة المحرمة دوليا و حرق المدن و التهجير و التعريب و التتريك و التفريس والمحاولات المستمرة لطمس الهوية الكوردية و حملات الإعدام المستمرة حتى هذه اللحظة بسبب أو بلا سبب وصولا الى منع الكورد سواء الدراسة أو التكلم بلغتهم الأم و هذا حق مشروع لكل شعوب العالم بحسب العهود والمواثيق الدولية ، إذاً فالإستفتاء و حق تقرير المصير أو إعلان دولة كوردستان المستقلة حق مشروع وليست منة أو هبة من أحد .
ولكن … سيادة الرئيس ، فمن جهة أخرى علينا أن نعترف بالواقع المرير والوضع المأساوي الذي نمر به في هذه المرحلة ، فالبيت الكوردي يكاد ينهار من الداخل ، الصراعات الحزبية بين القوى السياسية في أوجها .. و التدخلات من الجوار لا تزال مستمرة ، والحكومة فشلت في أداء واجباتها بإمتياز و البرلمان معطل ، السياسة النفطية للحكومة و الوعود بالرخاء لم يكن الا وهماً و وعودا إنتخابية ، أما عن الفساد المالي والإداري فحدث ولا حرج ، فهل يكون إجراء الإستفتاء بمثابة عصى سحرية تحل كل مشاكلنا ، أولم يتحول الحلم الى كابوس ؟!..
سيادة الرئيس … آلاف البيشمركة يدافعون عن هذه الأرض عن هذه التجربة على خط النار يواجهون المجاميع الإرهابية و كلنا نعرف المعاناة والحالة الإقتصادية الصعبة التي يعانون منها فيما يتعلق برواتبهم وحالتهم المعيشية ، فما الذي يمكن أن يتوقعوه من إجراء الإستفتاء ، هل تشعر النخبة السياسية بما يشعر به المواطنون بوجه عام و قوات البيشمركة بوجه خاص أم النخبة في وادي و المواطن في وادي آخر .
سيادة الرئيس … إجراء الإستفتاء لا تملأ البطون الجائعة و لن تغني أناساً أصبحوا لا يملكون قوت يومهم ، ولن يحول دون هجرة العوائل الكوردية التي تهرب من الأزمات و المشاكل ليعانقوا أمواج الموت في بحر أيجة أو يواجهوا قراصنة الموت .
سيادة الرئيس … إجراء الإستفتاء كان من الممكن أن تكون خطوة تسبقها خطوات أكبر و أهم في إقليم لم يتمكن فيه المواطن على مدى ربع قرن أن يحصل على أبسط حقوقه ، أبسط متطلبات الحياة العصرية ، كالكهرباء والماء وسط تصريحات و شعارات تطلق من السياسيين حول الدولة المدنية و دولة المؤسسات ، المواطن الذي لايزال يبحث عن أجوبة أين الوعود المستمرة بالإصلاحات ومتى يتم محاسبة المفسدين والمتهمين بإهدار المال العام ، أين المسائلة والمكاشفة ، أين ذهبت أموال النفط و قبلها أموال الإيرادات الداخلية من الضرائب و الكمارك على مدي سنوات وسنوات قبل الفين و ثلاثة و بعدها خاصة وسط تقارير تتحدث عن تهريب مليارات الدولارات الى الخارج ،متى يتم محاسبة ومسائلة شركات و أشخاص أتوا من العدم وأصبحوا بين ليلة وضحاها يتحكمون بملايين بل مليارات الدولارات .
سيادة الرئيس … كنتم ولا زلتم تتحدثون من سنوات مضت عن الدولة الكوردية ولكن للأسف تبين لنا أثناء الحرب على الإرهاب ومواجهة داعش و قبلها أثناء الأزمة الميزانية و إيرادات النفط و المستحقات المالية مع الحكومة المركزية برئاسة المالكي و سلفه العبادي بأن حكومة الإقليم لم تحسب حساباً لهذا اليوم فلم يتمكنوا من الإيفاء بالإلتزامات المالية تجاه الموظفين ناهيك عن شركات المقاولات الصغيرة و المتوسطة ، وتبين أيضا بأنه لا يوجد في قاموسنا مصطلح إسمه التخطيط و الرؤية الإستراتيجية اللازمة لإدارة الأزمات .. ما الذي جنيناه من سياسة الحكومة فيما يتعلق بالنفط ؟!! عدد المشاريع والشركات الصغيرة و المتوسطة التي أعلنت إفلاسها ، وكم من صغار التجار و أصحاب المشاريع إنتحروا، وكم من البيوت التي دمرت و علاقات أسرية و عوائل إنهارت بسبب الأزمة الإقتصادية …
سيدي الرئيس … غياب الروئ و سيطرة الأحزاب و تدخلاتها في كل صغيرة وكبيرة خلق مجتمعاً إتكالياً مادياً و إستهلاكيا غير منتج ، نسي الماضي بكل مآسيه .. مجتمع لا يعجبه العجب .
سيادة الرئيس … إبان الحملات الإنتخابية كنا نسمع وعوداً و تعهدات بالرخاء والإستقرار السياسي والإقتصادي و الإجتماعي ، وأكثر من ذلك ووصل الأمر عن الحديث حول حصة كل مواطن وإتضح بأن الأمر كله كان مجرد جعجعة بلا طحن ،وحقيقة الأمر أن أقلية من الشركات المقربة من صناع القرار وأصحاب النفوذ والسلطة و أشخاص متنفذين يكسبون الملايين و البقية يقفون موقف المتفرج ، كنا نمني النفس بأننا إقليم نفطي نستخرج النفط و نصدره ليعم الأمن و الامان والطمأنينة ،ولكن وبدلاً من ذلك إكتشفنا وبعد سنوات بأن حكومتنا العتيدة مدينة بمليارات الدولارات لبنوك و شركات أجنبية ، و السؤال هنا سيادة الرئيس هل كنا نبيع النفط أم كنا نشتريه بأضعاف مضاعفة ؟!.
سيادة الرئيس … جهودكم الدبلوماسية و دوركم السياسي والعسكري بوصفكم القائد الأعلى للقوات المسلحة في إقليم كوردستان و خاصة أثناء الحرب ضد الإرهاب موضع تقدير يقره العدو قبل الصديق ولكن لسنوات و سنوات يحاول أعدائنا من كل حدب وصوب أن يهدموا ما بنيناه ، و نحن و بذريعة التعايش السلمي و علاقات حسن الجوار و التبادل التجاري نبني حسينيات و معابد و مراكز ثقافية؟!!و بالمقابل نراهم يومياً يعلقون إخواننا و أبناء جلدتنا على المشانق جهاراً نهاراً ، وتحت غطاء الإستقلال المالي و الإقتصادي نوقع معهم إتفاقيات ثنائية سرية حول بيع النفط و الغاز و بأثمان بخسة لمدد تصل الى خمسين عاماً (و المواطن كالزوج المخدوع آخر من يعلم) و بالمقابل يحرقون قرانا و يقصفوننا بالمدافع والطائرات و يتحالفون مع المجاميع الإرهابية الذين يحاربون الكورد على جبهات تمتد لمئات الكيلو مترات .
لكي لا يتحول حلم الإستفتاء والإستقلال الى كابوس فإن الشعب الكوردي و في هذه المرحلة يمني النفس أن يرى الأقوال والشعارات والخطابات تتحول الى أفعال ، إجراء إصلاحات جذرية إبتداء من القمة نزولا الى أسفل الهرم ، محاربة المفسدين أينما كانوا و محاسبة كل من سولت له نفسه أن يستولي على المال العام و إستغلال الكثيرين لمناصبهم للإثراء غير المشروع وإعادة ملايين و مليارات قالت بعض التقارير إنها هربت الى بنوك في دول أجنبية ، ولكن فإن كل ما قيل من الجهات الرسمية عن تشكيل اللجان لحل هذه المعضلة لا تلبي طموحات الشارع الكوردستاني ، فالمواطن و لسنوات مضت لديه ذكريات مريرة تجاه عدم مصداقية تلك اللجان و نتائج تحقيقاتهم في الكثير من القضايا ، والكثير من هذه اللجان لم تكن إلا محاولة واقع قبيح يستحيل تجميله.
سيادة الرئيس … كلنا لدينا الكثير لنقوله و لكن بإختصار نقول إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ، المطلوب الآن إجراء تغييرات جذرية ، لربع قرن من الزمن تحكم في مصائرنا مجموعة من الوجوه المقرفة ،والكثير منهم تعود إصولهم لعوائل و ألقاب محدودة لا تتغير بدء من رئاسة الجمهورية مرورا بحكومة الإقليم و البرلمان الكوردستاني و وصولاً الى حكومة الإقليم و إنتهاء بكل مفاصل الحكومة في كل المحافظات و الأقضية والنواحي ، فلماذا الإستفتاء و لماذا إعلان الدولة المستقلة ؟ هل لكي نعطي نفس الوجوه شرعية مرة أخرى ليتحكموا فينا كيفما شاؤوا الى أن يشاء الله .