عماد علي : ما اجبر اردوغان على تجرع كاس السم .
ان ما التفت اليه اردوغان بشكل مفاجيء و هو امر لافت للانتباه حقا ، وهو ما اقدم على تغير شامل من سياساته التكتيكية او يمكن ان تكون الاستراتيجية ، و يعد تغيرا شاملا ملموسا في توجهاته و انه اجبر عليه دون ارادته ، و براغماتيته فرضت عليه العودة الى ذاته و نرجسيته لانه احس فعلا بقرب نهايته السياسية الشخصية و تهاوي منحنى موقعه داخليا و في المنطقة ايضا لو استمر على ما سار عليه . من جهة اخرى راى نفسه امام جدار كبير و هو يصطدم به جراء الاخطاء المتكررة و ما تلقاه داخليا من الضربات الصاعقة اقتصاديا و امنيا ، اي تعامله مع القضايا الخارجية الشائكة و الداخلية المعقدة بطرق مبنية على الطموحات الشخصية قبل بلده اجبره على تلاقي ما يضره شخصيا و معه بلده ايضا ، على الرغم من تكبره عن قول الحقيقة المرة التي حس بهالحد اليوم . اثبت لمنافسيه بانه الرجل الذي يمكن ان يتنازل في اية لحظة على الرغم من المزايدات التي بينها في تعامله مع القضية الفلسطينية و كما تشدق به من اعادة امجاد الامبراطورية العثمانية لقومه ، و نيته في رئاسة العالم الاسلامي متكئا على تنظيم الاخوان المسلمين ، و ادرك متاخرا بانه الرهان الخاسر و يبدو واضحا تراجعه في هذا المجال ايضا ، غير انه لم يبين داخليا ما يمكنه ان يزيح الشكوك عنه او يثبت ما زعزته تنازلاته الخارجية عن عمل مماثل داخليا ، و اثرت اخطائه المتكررة على موقعه و شعبيته و مكانته و رصيده بشكل ملحوظ .
ما اقدم عليه والدليل الواضه على انه انعكس عليه بالوقت ذاته هو ما فعله تنظيم داعش من رد الفعل بالسرعة الفائقة من وضع اشارة حمراء امامه كي يحس بانه ليس بمقدوره ان يقدم تنازلات من ناحيته كما قدمه لبوتين او اسرائيل، و عمليا اوضح له النوايا و الافعال التي يمكن ان يهز عرشه داخليا ، و خاصة بعد ان تاكد داعش بانه اي اردوغان توافق مع الرؤية الامريكية الروسية في سوريا و تلعراق على حد سواء ، و استهلها بالعملية الارهابية في مطار اتاتورك في اسطنبول و هو رمز له و لبلده . و يمكن القول بان هذا من جراء فعل يده اكثر من داعش نفسه ، وهواعلم من غيره بما اراد من داعش ان يكون راس حربته في السيطرة على المنطقة و لم ينجح ، وهذه التغييرات المفاجئة لاردوغان ليس مفاجئا لشعبه ، و بما قام من قبل من التغييرات و الانقلابات في الفعل و التنصل من وعوده ازاء القضية الكوردية بين ليلة و ضحاها ، و هو ليس عمل ارهابي بقدر رد فعل لما سلكه من طريق الخطا في تعامله مع مرحلة اجتياح داعش للمنطقة و من ثم يريد اليوم ان ينقلب عليه بعدما اخفقفي تحقيق اهدافه .
يمكن القول ان اردوغان سواء نجح في التغييرات المفاجئة ام لا فانه صفع نفسه من العديد من النواحي الداخلية والخارجية . ما كان فيه من الحال من الناحية الدبلوماسية الخارجية عالميا او في المنطقة و ما ادعاه من تصفير المشاكل و الانقلاب على شعاره و ما يواجهه من القضايا المعقدة الداخلية وما تلقاه اقتصاده من الخسائر العظمى في غضون وقت قليل فقط، و الذي ليس بامكانه تعويضه في الوقت الحاضر ابدا ، فانه يمكن ان يريد ان يصلح الخطا بالخطا .
العنصر المشترك بين ما يريده اردوغان و الدولتين الاخريتين سوريا وايران هوالقضية الكوردية و ما لها العلاقة المباشرة مع تحركات اردوغان ، فيما للدولتين علاقات مصيرية مع روسيا ، و هي تحولت الى صديق مع تركيا و تستفاد منه اي من اردوغان في سوريا و يمكن ان تكون الاستفادة على حساب الكورد شيئا م ، الا اننا يمكن ان نحسب الحسابات الامريكية من الجهة المقابلة التي يمكن ان تتعارض مع الوضع الروسي التركي الجديد من نواحي استراتيجية عديدة في العمق و الافاق البعيدة لامريكا و نظرتها المستقبلية البعيدة المدى للمنطقة .
يمكننا ان نقول ان اردوغان اضطر لما اقحم نفسه فيه بشكل مغاير لما كان فيه و يمكن ان يقعالخسائر اكثر من المنافع جراء التحولات المفاجئة ، و هو لم يجد امامه الا الطريق الاوحد وهو التنازل المخنوع و سيطرت بارغماتيته على نرجسيته تكتيكيا من اجل نرجسيته ايضااو توافقت ابراعماتية و النرجسية لديه بعد ان احس بالخطر المحتدم، و ليست مصلحة بلده الا امر ثانوي امام طموحات السلطان و نواياه كما هو المعلوم عنه .