عماد علي : هل يتعض اردوغان من الانقلاب ؟
اننا نبعد تلك التوقعات من تفكيرنا على الرغم من اننا يمكن ان نقول بانه تزداد اشارة منحنى احتمال ان تكون للاردوغان بنفسه يد بشكل او اخر و ربما بشكل غير مباشر و مخابراتي في عملية الانقلاب ، و بات الكثيرون يتكلمون عما جرى بشكل مختلف . و ما يسلكه اليوم من محاولات مستميتة لانهاء مناوئيه ، و بالاخص من لا يمكن ان يكون لهم اي دور في العملية الانقلابية ، ويريد باستغلال الانقلاب تنفيذ اهداف اخرى و هو ما يزيد من الشكوك حول من وراء تلك العملية الانقلابية القصيرة الامد الفاشلة . ينوي اردوغان تحقيق اهداف كثيرة من وراء اوامره المفاجئة جول الاعتقالات الانتقائية بين المدنيين و العسكريين ، و منها تمهيد الطريق لاعادة تنفيذ عملية الاعدام و كسر شوكة المعارضين و تخويفهم ، و تغيير النظام السياسي الى الرئاسي بالسهولة الممكنة ، و استئصال جماعة فتح الله غولن المنافس الخطر على مستقبله ، اضافة الى تقزيم احزاب المعارضة على الرغم من موقفهم الواضح من دعم الديموقراطية و الحياة الحرة للشعب التركيو استنكارهم للانقلاب .
غير ان اردوغان كان بامكانه ان يستفاد من الاتقلاب بشكل ديموقراطي و يبقى رمزا شعبيا و جماهيريا لو اتخذ موقفا عصريا فيما بعد الانقلاب وكا من الواجب عليه عدم التصرف برد فعل طفولي الذي لا يمت بالعقلية السياسية الناضجة بصلة تُذكر ، وكان بدلا من سيطرة نرجسيته على سلوكه و تصرفه و كانه هو الانقلابي و يتخذ اجراءات على المنقلب عليهم كان عليه ان يتخذ خطوات عقلانية سياسية كبيرة و مناسبة لبلد تعيش في فوضى سياسية منذ مدة ليست بقليلة نتيجة خطوات سياسية خاطئة صادرة منه شخصيا .
في هذين اليومين المنصرمين ، كان الوقت مناسبا لتحديد المسار الصحيح للسلطة في تركيا، لو تعمق اردوغان فيما حدث مهما كان او من كان وراءه ، لو اتخذ موقفا مسالما و استند على العدالة و القضاء في فض القضية الخطرة التي حدثت و ما تفرز منها من السلبيات الكثيرة و يمكن ان تدوم ، كل هذا في وقت غير ملائم لما حدث و لم يقرا منفذوه متطلبات العصر و سماته و ما وصلت اليه تركيا من النواحي الكثيرة، هذا ان لم يكن الاتقلاب اساسا عملية مخابراتية صرفة و ورائها قوى و جهات سواء كانت داخلية او خارجية .
لو اعلن اردوغان ان المرحلة تفرض اعادة تقييم الواقع و تعامل مع القضايا وما لديه مع الجهات الداخلية و الاقليمية و العالمية بما يفرضه الوضع السياسي العالمي و التغييرات الكبيرة التي حدثت في كيفية ممارسة السلطة في كثير من دول العالم، و منهم من يتشدقون بالمبدايء الديموقراطية و منهم تركيا و ان كانت ناقصة الايمان و الاداء لها . كان من المفروض ان يستغل ما حدث خيرا لبلاده و له شخصيا بشكل علمي و باجمل و اكمل وجه، الا انه سلك بعكس ما يمكن ان يفتح الطريق امام تحقيق حتى اهدافه الشخصية بشكل سهل .
بدلا من توجيه الاتهامات و الاعتقالات العشوائية ، كان بامكانه المبادرة للتصالح المتعدد الجوانب مع القوى المعارضة له و حتى مع جماعة الخدمة للسيد غولن . اي انه سار دون الاتعاض من ما حدث وعدم توظيف ما يمكنه من تحقيق ما يريد في الاتجاه الصحيح دون احقاد و منافسة ضيقة الافق،الا انه امر باتخاذ خطوات صغيرة و دافعة للفوضى الاكثر و مستديمة التعقيد ، و اكثر دفعا للبلاد نحو المصير المجهول و الابتعاد عن الاتحاد الاوربي اثر مع حدوث شروخات كبيرة في علاقات بلده مع امريكا اضافة الى ما لديه اصلا المشاكل الكبيرة مع الكثيرين من القوى العظمى و المتوسطة العالمية و الاقليمية و الداخلية .
فان الفرصة الذهبية اصبحت سانحة له في حل القضايا الكبيرة و منها القضية الكوردية بعدما اتخذ حزب المجتمع الديموقراطي موقفا سليما ازاء الانقلاب ، و لا يمكن ان نتصور ان اتخاذ الخطوات بهذا الشان في هذا الوقت الذي يتمتع بشعبية و جماهيرية كبيرة ناتجة من فشل الانقلاب ان يؤثر سلبا على رصيده ، بالاخص عند القوميين المتشددين الممانعين له دوما، كما حصل من قبل و اثر على موقعه و موقفه ، الا اننا نشاهد ما يسير عليه هو العكس لحد اليوم و سلوكه و تصرفاته و مواقفه دون المسار الصحيح المناسب .
من الجانب الخارجي ، فان تصفير المشاكل و اتخاذ المواقف وفق المصالح و عقلنة السياسية كان بامكان ان يساعده في تصحيح مسار الدبلوماسية الخاظئة و حل المشاكل جذريا مع دول هامة بدلا من كيل الاتهامات عديمة الدليل و الاساس . هذا اضافة الى امكانه تحسين العلاقت الدبلوماسية العالمية التي اصبحت في موقع يمكن ان يغير من مسار بلاده و تصحيح مواقفها و بها تقوي مكانتها ، و بالاخص فيما يهدف الى ما ينويه مع الاتحاد الاوربي و روسيا و الدول الاخرى .
من جانب اخر ، كان بالامكان ان يعوض الخسائر الاقتصادية الناجمة من اخطائه السابقة بدلا من تعقيدها اكثر بالحملة الشعواء التي تشنها داخليا على من لا يوافقه في نواياه الضيقة الافق ، الا انه بالخطوات الاولية الحالية لما بعد الانقلاب استفز الدول المهمة خارجيا و قلل من ثقة الكثيرين داخليا و خارجيا في ان يخرج هو و بلده من القضية سالما معافاة ، و لا يمكن ان يعود اقتصاده الى المراحل السابقة ، لا بل يتاثر اكثر و تغطيه اثار و افرازات الانقلاب و سلوك و توجهات اردوغان غير المدروسة بشكل كبير و طويل و لا يمكن ان نتوقع انتعاش اقتصاد بلده في المدة الزمنية المعقولة .
و عليه ، يمكننا ان نقول ؛ ان اردوغان اضاع الفرصة المتاحة له في ان يفيد بلده بشكل ملفت في النواحي السياسية الاقتصادية ، لو تانى و تعمق قبل ان يتخذ القرارات الخاطئة و يتسرع في ما يدفعه نرجسيته و توجهاته الشخصية ، و ها يضر بنفسه ايضا اضافة لبلده .