عماد علي : اندثار الطبقة الاجتماعية الوسطى في كوردستان الجنوبية .
من يقيّم الواقع الاجتماعي الكوردساني يجد بانه تغير كثيرا من حيث تركيب و شكل و حجم فئاته و طبقاته ، و كيف تغيرت التوزيعات الطبقية التي اتسم بها في تاريخه و التي لم تحدث من قبل كما نلمسها اليوم .
اننا نعلم بان العشوائية الكبيرة في واقع المجتمع الكوردستاني منذ التغييرات الجذرية المفاجئة التي حصلت له، خاصة ما بعد عمليات الانفال و و تدمير اكثر من خمسة الاف قرية و تشريد و نزوح اهلهم سواء الى المدن او ما راحت نسبة كبيرة منهم ضحية تلك العمليات و هي اكثر من 180 الف شخص من الطبقات كافة و بالاخص الفلاحين و الطبقة الدنيا .
اليوم و مهما تمعنا و استخدمنا الوسائل العلمية، الا اننا لا يمكن ان ان ننجح في بحثنا ايجاد الكلام العلمي عن الطبقات ، او يصعب تحديد الطبقات حقا نتيجة عشوائية الحراك الشعبي و الخلط الذي حدث جراء العمليات العسكرية و التغيير الديموغرافي على يد البعث ، اضافة الى تغيير سمات المدينة و عدم ثبات معيشة العائلة على عمل معين ، اي تغيير مصدر المعيشة بشكل متتالي من قبل كثرية العوائل نتيجة العوامل السياسية الاقتصادية المختلفة التي اثرت عليهم و التنقلات في محل معيشتهم و سكنهم . ان كانت هناك مقاييس معينة لتحديد و تعين مكونات الطبقات اوتركيباتها ، فان الفوضى في معيشة الناس و عدم ثبات الحال و التداخل العجيب الذي حصل لم يدعاي باحث ان ينجح في بحثه و ايجاد نتائجه المرجوة، و ان كان يلتزم باشد الطرق العلمية التي تكون نسبة الاخطاء فيها محدودة للغاية .
ان كنا نريد تحديد مساحة الطبقة الوسطى الكوردستانية ، فاننا نلاقي الصعوبة ايضا، فمن هم ضمن الطبقة الدنيا و من منهم ضمن العليا و من هيالطبقة العليا من حيث الجانب الاقتصادي ، اما الجوانب الاخرى الثقافية السياسية للمجتمع فلا يمكن الخوض فيها لانها في حالة فوضى و تخبط كبير جدا ، اما الحالة الاجتماعية فانها تداخلت الطبقات اجتماعيا بشكل كبير و لا يمكن تحديد الطبقات استنادا عليه بشكل دقيق ايضا .
كانت الطبقة الوسطى الكوردستانية تتضمن الموظفين و التدريسيين و بعض اصحاب الاعمال الحرة واصحاب القوة الاقتصادية الصغيرة ، مع نسبة معينة من المزارعين و اصحاب الاراضي و شركاءهم .
عندما تغير الواقع القروي في كوردستان تداخلت المدينة اجتماعيا اي من حيث السكان و صفاتهم و سماتهم و مستواهم المعيشي و طبقاتهم مع القرية ، و تمخضت عنها واقع اجتماعي خليط بحيث لا يمكن تعين طبقة كل عائلة استنادا على مصدر معيشتها و التثبيت على انتمائها ضمن حدود الطبقة الوسطى بالاخص . ترى في المدينة ذاتها و في الزقاق و الحي نفسه عوائل متجاورة مختلفة الطبقات من حيث الجانب الاقتصادي . اما الجوانب الاخرى يمكن ان تكون قريبة جدا من البعض و لا يمكن افرازهم بسهولة ، و هذا يدل ايضا على ان الطبقات اصبحت ملزمة بالحالات او الجوانب تختلف اقتصاديا و تتشابه اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا مثلا فيما بينها .
سارت الامور بشكل طبيعي رغم هذا الخلط و التغييرات و لم نجد استياءا او عدم الانسجام بين العوائل ذات الطبقات المختلفة لحين الانتفاضة ، نتيجة العوامل السياسية ، واما مابعدها حيث تغييرت اوضاع الكثيرين ، الا ان ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق و خلال هذا العقد و النيف تقريبا تم الخبط و التراكم وبرزت جبلات مختلفة لنشوء ما يمكن ان نسميه طبقة ما خاصة لا يمكن تصنيفها بين الطبقات ، اي لا يمكن تحديدها وسطى كانت ام ادنى او اعلى ، نتيجة التغييرات المفاجئة في مصادر المعيشة و الايرادات المالية التي اغدقت على العديد من الناس و تاثر الاخرون بشكل سلبي في المقابل ، اي الاحزاب و صراعاتهم و ما اصروا على ترغيب مواليهم بالمال و ما اغدقوهم به ، غيّر واقع الحال المجتمع الكوردستاني و ادى الى تشرذمه و فرض عليه اندثار الطبقة الوسطى و تباعد بين الادنى والاعلى بشكل مخيف . ببروز الازمة الاقتصادية في اقليم كوردستان و عدم امكان حكومة الاقليم من حتى تسديد رواتب الموظفين ادت الحال المستجدة الى تفتيت الطبقة الوسطى اكثر من السابق ، و تتوجه الحال الان نحو زوالهم بشكل كامل و اصبحوا ضمن الادنى بعدما ضاقت بهم المعيشة ، و هذا ما ينبيء بمصير مجهول للمجتمع و ما يبرز منه ، بحيث يمكن ان يحدث مفاجئات غير متوقعة فيه .
من المؤسف ان يكون مصير المجتمع الكوردستاني المالي و الاقتصادي بيد مجموعة سياسية معينة من جانب استحوذت على كل شيء و احتكر الاقتصاد مع اصحاب الرسمال المتفقين مع المتنفذين ممن بيدهم زمام السلطة و اسسوا لمافيا مالية مؤثرة بشكل خطير على حياة الناس من جانب اخر . و به اندثرت الطبقة الوسطى بشكل كامل في الاونة الاخيرة بعدما عجزت السلطة في اداء واجبها بشكل مقنع و قطعي . المجتمع الذي يزاح او تندثر الطبقة الوسطى فيه سيكون مصيره و وضعه الاجتماعي غير معلومين .