عماد علي : فلتبق روسيا حكما و ليس خصما للكورد .
لو تمعنا في فحص التاريخ و ما فعلته روسيا سواء ابان مرحلة الاتحاد السوفيتي او قبلها ازاء القضية الكوردية في المنطقة، فاننا نحصل على مجموعة من المواقف لم تخرج من المصلحة الضيقة غير المبالية بما يسجله التاريخ في اي منها، و نلمس تقلبات كثيرة في مواقفها وفق ما كانت عليه من الصراع مع امريكا او ما فرضتها الحرب الباردة و ما متطلباتها و تداعياتها آنذاك .
اليوم نحن في وقت حساس ستكون لاي موقف تداعياته على اي طرف له ثقل و دور معين فيما يجري في منطقة الشرق الاوسط التي ابتلى فيها الكورد منذ انبثاق الدول و توزيعهم عليه عنوة دون رغبتهم و فرض عليهم الاتفاقات الدولية دون اي راي لهم .
اليوم نحن في مرحلة انتقالية و منعطف تاريخي خطير ستكون لاية خطوة من قبل اي جهة مشاركة فيما يجري في المنطقة و لها مصلحة، تداعيات و لا يمكن ان نتصور ما يقع فيه الكورد من غير معرفة ما تفرضه مصالح و مواقف هذه الجهات، و ما ننتظر منهم وفق ما يمليه علينا تاريخهم و تقيمنا لمواقفهم على مدى تاريخ المنقطة، مثلما خذلت امريكا الكورد في ثورة ايلول خذلتها روسيا ايضا ابان جمهورية مهابات، و لا يمكن ان نحسب لما تفرضة متطلبات الصراع و توجهات الاطراف في حينه، و لكن ما بقي و نتذكره دائما هو مواقف دول الكبرى و مدى تضرر الحركة التحررية الكوردستانية من مواقفهم و التغييرات الكبيرة التي حصلت في تحركاتهم في كل مرحلة .
عندما نقول بان السلطات السورية ظلت طوال السنوات الخمس الماضية للاحداث التي عصفت في البلاد، و هي لا تحرك ساكنة بما يضر الكورد و ضلت حريصة على عدم استفزازهم في كوردستان الغربية، هذا ليس بكلام منطقي لان تحركات النظام السوري كان وفق ما يفيده و ما يضره و عدم تحركهم كان لعدم تناسب المواقف لما كانوا يتمنون، وعدم توافق اية حركة لهم مع سياساتهم على الارض، ان ما ساروا عليه من السياسات، كانت نابعة عن مناوراتهم و كيف يمكن ان يستفيدوا من اي طرف . هذا ما فرض عمل على بقاءهم دون تحرك عدائي اوتحفظهم في الوقوف ولو لمدة دون ان يتحركوا ضد الكورد، و لا ننكر بان الكورد كانوا عقلاء في مواقفهم و ليس هناك اي طرف يرفض البراغماتية في السلوك في الوقت المناسب، و هذا ما كان يخدم مسار قضيتهم و استراتيجيتهم، و لم يكن موقف النظام السوري طوال هذه المدة منّة على الكورد بل كان هو المستفيد الاول اضافة الى ما احتمى الكورد انفسهم من عدو طوال هذه المدة و فرض عليه السكون .
المستجدات على الساحة ليست من باب ما يفرضه الامر الواقع، في الوقت الذي يحتدم العراك بين الطرفين في الحسكة و فرضت توافقات و تحالفات جديدة نفسها، و ما تحركات النظام الى اشارة و دغدغة و مغازلة للنظام التركي، و هذا ما يؤكد لنا مدى اجحافه و اجحاده و تنكره للجميل الكوردي طوال هذه المدة، و الا كان بالامكان ان يتحالف الكورد مع الكثير من القوى وفق مصالحه و يمكن ان يقطع مساحات اكبر من الساحة دون ان يتمكن النظام من الاقتراب منها كي يفعل ما يفعله اليوم . ادعاءات النظام السوري ليست الا حجة و الا ان المنطقة فيها المكونات و لم يتجاوز الكورد بشكل مخطط ( لا نتكلم عن اجتهادات فردية هنا و هناك ) ضد اي مكون و هو يتحرك ضمن مساحة ما يحق له في ادارة بقعته .
ان ما يجري في الحسكة ليس بقضية داخلية في الوقت الحاضر، بقدر ما فيه من النوايا و المواقف السياسية و مسايرة الاطراف المتفقة للمستجدات المنتظرة في المنطقة، و خاصة في سوريا و موقف الاطراف و بالاخص روسيا و تركيا و ايران منها . الوقائع الجديدة ليست بنزعات و لا اعتداءات و لا تمرد كما يحلو للاطراف ان تضلل بها العالم بما تدعيه، او الاصح ما ينوون تشكيل تحالف و ما يريدون تمهيد ارضية له فيتكلمون بهذا التوجه، انه اعتاداءات النظام السوري لجلب نظر تركيا و ما تصر عليه في منع تشكيل اي كيان كوردي في شمال سوريا اكثر من النظام السوري بذاته .
اليوم هو الوقت المناسب لبيان موقف جميع الاطراف حول القضية الاكثر استراتيجية في المنطقة ، و نعتقد بان الفوضى العارمة ستبقى كما هي دون حلها بشكل عادل، و هي القضية الكوردية و الاجحاف الحاصل بحقهم منذ عقود طويلة . و لا مكان لروسيا ان تتنصل من الواجب الانساني على عاتقها، و انها كانت تفعل ما تهمها و لا تسير الا في مسار المصالح، وان ستخسر الكثير من مصداقيتها التي شابتها الكثير من الافعال المصلحية وبفعل استغلالها لما يجري و عدم الاكتراث بالقضايا العالمية من زوايا ما يحق لاصحاب القضية . فانها تتعامل مع القضيتين الاستراتيجيتين القضية الفلسطينية و الكوردية بما تملي عليها مصالحها المجردة و ما تفرضه المعادلات الموجودة و موقعها فيها .
اننا في هذا الوقت لا يمكن ان نصف امريكا باكثر انسانية و كل ما يمت بسلوكها نابع عن ما تفعله في المنطقة بشكل خاص و ما تنويه للخارطة التي ترسمها لمدى البعيد و ما تريده من ضمان امن اسرائيل و ان يبقى النفط تحت ترصرفها و ابعاد الارهاب عن عتبة بابها اكثر من اية قضية و ان كانت عادلة و انسانية اكثر من ما موجدة في اية منطقة اخرى في العالم . و لكن مواقف امريكا التي تتعارض احيانا مع روسيا جعلتها ان تؤمن النظرة الجميلة اليها و استحسان الشعوب المغلوبة على امرها لخواتها اكثر من روسيا و افعالها .
اننا و من تقيمنا لمواقف روسيا و ما تفعله اليوم من بناء تحالف يظهر شكليا بانه ربما لبناء كتلة على غرار ما كان ابان الاتحاد السوفيت بشكل و تركيب مغاير، و لكنها تريد ان تخرج من الاحراجات او المواقف الصعبة بتنسيقها مع امريكا التي هي بنفسها ايضا تفضل ما ترديه روسيا من التوجهات و السياسات الجديدة، و لهما المواقف التي تجمع ضمان مصالحهما معا دون نظر الى ما يهم البلدان او المكونات اصلا .
و خير موقف تاريخي يمكن ان تسجلها روسيا للخروج بوجه حسن هو بقائها حكما عادلا و لا خصما في قضية الكورد اليوم، لانها ليست كما كانت ابان الزمن الاتحادا السوفيت و هناك ما يمنعها من فرض سياسات لصالح الانظمة المتحالفة معها على حساب الكورد لان ارض الواقع يفرض ايضا عوامل تمنع مسيرة روسيا و المتحالفين معها ان كانت على غير ما تفيد الجميع او ضد المتضررين .
لا يرمي الكورد نفسه في حضن اية دولة كبرى برضا الذات ان لم يكن مجبرا او نتيجة خطا في الحسابات و جهل القادة و عدم اكتراثهم بالمصالح العليا و تاكيدهم على المصالح الضيقة، و هذا ناتج عن جهلهم بالكثير من الامور التي تخصهم على الصعيد السياسي العالمي، اما اليوم فانهم اصبحوا رقما يحسب له و لا يمكن ان يخرجوا من المولد هكذا بدون حمس، على الاقل، ان لا يستفيدوا بما يجري يمكنهم ان يضروا بالكثر من الجهات و في مقدمتهم مصالح روسيا و امريكا .