آمانج نقشبندی: غرور أردوغان و خيارات العبادي.
ونحن نشهد اللحظات الأولى لمعركة تحرير الموصل من براثن الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) والتي بدأت بتحرير قوات البيشمركة مناطق و قرىً في محور الخازر التي لا تبتعد سوى كيلومترات قليلة عن مركز المدينة ، بإنتظار الخطوة التالية و قيام القوات العراقية و التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالقيام بخطوات مماثلة بإتجاه ضرب معاقل الإرهابيين في المدينة و محيطها … و بالعودة للأيام و الأسابيع الماضية شهدنا تصاعد حدة التوتر و حرب التصريحات و التهديد و الوعيد بين تركيا والعراق ، بعد تصريحات المسؤولين الأتراك وفي مقدمتهم رجب طيب أردوغان فيما يخص إصرار تركيا على لعب دور شرطي المنطقة و المشاركة في تحرير الموصل كما فعلت في جرابلس السورية بقولهم (باقون في بعشيقة والمسألة منتهية… و سنشارك في معركة تحرير الموصل )، وبالمقابل نجد الرفض الشعبي والرسمي في العراق لهذا التدخل بسبب ذرائع واهية بحسب تصريحات المسؤولين الأتراك منها مخاوفهم من إنتهاكات طائفية قد ترتكب ضد المواطنين ،أو الحفاض على المصالح التركية و محاربة الحزب العمال الكوردستاني أو أي حزب و تنظيم كوردي ترى فيه الدولة التركية خطرا عليها .
فمن جهة و منذ ظهور داعش على الساحتين السورية و العراقية و إحتلالها مساحات شاسعة في البلدين و أصابع الإتهام كانت توجه الى تركيا بوصفها الداعم الأكبر لهذه الزمرة الإرهابية ، و لعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن إطلاق سراح الرهائن ال (49) الأتراك في شهر يونيو سنة 2014 في تمثيلية هزلية سمتها تركيا بعملية مخابراتية كان دليلا دامغاً على فرضية العلاقة المشبوهة بين الطرفين في بداية الأزمة ، إذا راجعنا مسلسل جرائم داعش تجاه الرهائن و الأسرى الآخرين من جميع الأديان والأجناس ، فطوال سنوات مضت لم يسلم من شر هؤلاء لا البشر و الحجر … لا المساجد و لا الكنائس و لا مراقد الأنبياء و الأولياء ، سواء الجرائم التي إرتكبوها في شنكال و كوباني والموصل تجاه المواطنين المدنيين العزل مسلمين و مسيحيين و الأسرى من القوات العراقية و قوات البيشمركة لا يمكن الا أن توصف بجرائم ضد الإنسانية وممارسات أعادت الى الأذهان جرائم هتلر و النازيين تجاه اليهود في المانيا ، وسط تقارير صحفية كثيرة حول الدعم التركي بقيادة أردوغان و حزبه العدالة و التنمية ذات التوجهات الإسلامية بما في ذلك معالجة جرحى تنظيم الدولة في المستشفيات التركية في السر والعلن . و بالعودة الى أجواء التوتر بين تركيا والعراق ، والتدخل العسكري التركي فإن الدولة التركية مرت بأوقات عصيبة و مورست ضدها ضغوطاً هائلة بعيد إسقاط الطائرة الروسية على حدودها في أواخر شهر نوفمبر من العام المنصرم و سقوطها فوق جبل التركمان بمدينة اللاذقية و مقتل قائدها و تداعيات هذه الحادثة و أضرارها على كافة الأصعدة الإقتصادية و السياسية والعسكرية و التهديدات الرئيس الروسي بالإنتقام من منفذي الإعتداء و رد الصاع صاعين ، وإمتناع الأتراك وأردوغان عن الإعتراف بالخطأ الجسيم و الإعتذار رسمياً عن الحادثة ليعود المغرور أردوغان و بعد سنة من الحادث كمن يتجرع السم و يتنازل للشعب الروسي و فلاديمير بوتين و عائلة الطيار المقتول ، ولو رجعنا الى الوراء قليلا نجد بأن الجيش التركي الي يهدد به أردوغان و يتوعد قد كان يعد أحد أقوى الجيوش في المنطقة تعرض مرات و مرات لهزائم مذلة أمام حزب العمال الكوردستاني الذي يملك إمكانيات عسكرية متواضعة مقارنة بتركيا القوية و العضو الفاعل في حلف الناتو ، و هو ذات الجيش الذي إتهمه أردوغان وحزبه بالضلوع في إنقلاب عسكري بدعم من جماعة الداعية الأسلامي فتح الله كولن ضد الشرعية و الحكومة المنتخبة في شهر يوليو الماضي فأهانه و أذله و رمى بقادته وجنرالاته في غياهب السجون و طرد الآلاف من الضباط و المراتب و حولهم أردوغان الى محط سخرية و شاهد العالم بأسره أفراد ذاك الجيش العرمرم عراة حفاة على شاشات التلفاز … إنقلاب عسكري وصفه الكثير من المتابعين و المحللين بالسيناريو المعد سلفا من قبل أردوغان و أعوانه لضرب عصفورين بحجر واحد ، إضعاف الجيش و فقدانه هيبته و إحترامه و التخلص من أتباع فتح الله كولن و إتهامه بالخيانة و الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية تسليمه لتركيا و بالتالي محاكمته و التخلص منه نهائياً . نعم هذا هو جيش أردوغان الذي يهدد به العبادي و العراق …
ولكن مهما يكن فإن الجيش التركي يبقى بالرغم من كل ما ذكر جيشا نظاميا يتبع أوامر زعيم مغرور ، قالوا سيدخلون الحرب ، سيشاركون … و بلا شك سينفذون تهديداتهم ، و السؤال هنا ما الذي يستطيع العراق و السيد حيدر العبادي أن يفعله وهل يملك خيارات للرد للدفاع عن العراق وسيادته، فمن ناحية الخيار العسكري الجيش العراقي لم يعد ذاك الجيش الذي يحسب له حساب و لديه مشاكل على الأرض لا حصر لها ولا عدد ، و الحشد الشعبي و إن كان مدعوماً من إيران فلن يكون بإستطاعته الوقوف بوجه جيش نظامي مهما كانت الظروف ، و الخيارات السياسية لحكومة العبادي ليست كثيرة أيضاً ، فأقصى مدىً يستطيع العبادي و الحكومة الوصول اليه هو تقديم الشكاوى الى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة و مجلس الأمن و أضعف الأيمان أن يذهبوا الى مؤتمر العالم الإسلامي و الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ليحاول لعل وعسى أن ينال شرف المحاولة ، ومن الناحية الإقتصادية فأن الحكومة العراقية تمتلك عامل المناورة خصوصاً إذا عرفنا ان حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا في عام 2015 وصل الى تسعة مليارات دولار .
ومهما بلغ غرور و قوة أردوغان و تركيا فإن لديهم نقطة ضعف لايمكن إغفاله …أنهم حزب العمال الكوردستاني الحزب الذي يقاتل الحكومة التركية دفاعاً عن الوجود منذ أكر من ثلاثة عقود من الزمن ، وقد ذكرت بعض الأوساط السياسية بأن يكون دعم هذا الحزب من قبل الحكومة العراقية أفضل خيار لدى السيد حيدر العبادي فهل ستتلاقى مصالح الحكومة العراقية و حزب العمال الكوردستاني في هذه المرحلة .