عماد علي: هل نحتاج لمرجع قومي او وطني لاقليم كوردستان؟
لو كان الحكم رشيدا و النظام مؤسساتيا و الديموقراطية متجسدة و القانون سائدا و الوعي العام في مستوى يفرض على المواطن ان يكون مؤمنا بالمدنية و سيادة القانون بدلا من ايمانه بالمراجع المختلفة من الاجتماعية و السياسية و الدينية وحتى المذهبية، لكنا نكتفي بان اساس و اهم مرجع هو النظام و ما يحمل . الا ان الشعب بكل فئاته و الاحزاب و حتى القيادات المتنفذة المؤمنة بالتقدمية و الديموقراطية، فان ايمانهم و ديدنهم و افعالهم و ما ترسخت في ذهنيتهم هو الانتماء الى المنظومات الصغيرة المحلية و ليس العامة و منها المرجعيات سواء كانت شخصية سياسية كاريزمية او دينية لها الكلمة في الحياة العامة .
لا يمكن ان اقول انه العبادة الشخصية للقدوة، بل كما هو حال من يكون في زاوية ضيقة و يعيش في اوضاع سياسية و اجتماعية و اقتصادية متخلفة و متازمة، فانه يريد ان يتشبث بشيء ما للنجاة من الحالة التي يعيش فيها او العبور الى منطقة الامان، وخصوصا في زمان و مكان لم تترسخ بعد سلطة القانون و العدالة الاجتماعية و لم تتوفر ضرورات الحياة الخاصة و العامة و الخوف مسيطر على عقول الناس لما يعيشونه من واقع لم يضمن فيه مستقبل وحتى حاضر الفرد . لهذا نرى ان المجموعات او القبائل او العشائر التي تسمى ظلما بالشعب يتجمع حول مرجع معين، هذا في منطقة الشرق الاوسط بشكل عام و العراق و دول الجوار بشكل خاصة و اقليم كوردستان ضمنهم ايضا، و خصوصا في المجتمعات القبلية التي تحميها و تحكمها سلطة قبلية عشائرية او ملكيات مستمدة لمدة طويلة او جمهوريات زائفة او شكلية او حكم الثيوقراطيا و سيطرة الدين و المذهب على كل شيء.
اننا في اقليم كوردستان، لازال النظام على حال لا يعلم اي منا ما نوعه و نعيش في ظل واقع لم يتجسد فيه ما يؤمّن العيش بسلام، بل تسيطر مجموعة في غياب اهم مسند قانوني و هو الدستور، وفي ظل السيطرة الحزبية الشخصية المصلحية على زمام الامور في كل مفاصل السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية . اي لم يتعود اي شخص و ما يسمى ظلما ايضا بالمواطن ان يتكأ على اي دعامة او مرجع قانوني مدني له القدرة في تسيير اموره بسلاسة، بل وهو يعيش في خوف و خشية دائمة من كل شيء في حياته . و عليه نرى ان الانتماءات الاجتماعية الصغيرة اقوى و اكثر تاثيرا في امور حياة الناس لحد هذه الساعة و نحن في مرحلة تدعي النخبة بان القانون هو المصدر و المرجع و العدالة هي خير ضمان لكل فرد مهما كان موقعه الاجتماعي السياسي . و عليه نرى في كل دول المنطقة مراجع بانواع مختلفة، منها سياسية عائلية او شخصية دينية مذهبية لها الكلمة العليا في ظل الادعاء بوجود القانون و الدستور و الخطوط العامة لتطبيق النظام . لم يمر يوم و الا و نسمع عن دور المراجع و كلمتهم و ما يصدر منهم في شؤون البلدان التي ينتمون و يفرضون انفسهم فيها نتيجة الوضع الاجتماعي الثقافي و السياسي السائد فيهم، و ما يساعدهم على ان يكونوا فوق القانون او خارج توجه و نظرة النخبة في اكثر الاحيان، اي سمات المرحلة التي تعيش فيها هذه الشعوب التي تكون للمرجع كلمته الطاغية، و هي المرحلة الانتقالية و ان طالت بين الحكم العشائري و الديني و السلطة المدنية التي تحتاج لمقومات كثيرة غير متوفرة في منطقتنا بشكل لا يمكن ان نعتقد حتى الدول التي تدعي الحكم الجمهوري و التي تدعي الاستناد على سلطة القانون و العدالة و المساواة، فهي غير قادرة على ان لا تعود الى بعض المرجعيات و حتى في امور الدولة العامة و في الكثير من القضايا السياسية.
لذا، اقليم كوردستان لازال في بداية الامر و عصارة الفكر الجمعي للمجتمع لازالت تحت مستوى يمكن ان نقول بان الوعي العام مساعد على الاتكال على ما هو المفروض الاتكال عليه و لكنه مفقود اصلا لدينا من القانون و العدالة و الحكم الرشيد، بل الموجود هوكل ما هو المتنفذ و له اليد القوية في فرض مصالحه و معتقداته و ما يؤمن به و وفق عقليته، وهو الشخصيات السياسية و العشائرية المتسلطة على الشعب بشتى الوسائل غير القانونية . و من جانب اخر فان المرجعيات التي لها الدور البارز في تسوية الخلافات و ايجاد الحلول للازمات غيرمؤثرة لدينا ايضا، لا لكونه بعيد او عبرنا المرحلة لكي نعتمد عليهم، بل من يحكم هو الذي حلّ محل هؤلاء ايضا دون ان يؤدوا مهامهم الخاصة بشكل معقول و مقبول . و يمكن ان نقول اننا محرومون من الجانبين، بل من هو مرجع عشائري او قبلي او افرزه التاريخ السياسي الحديث يحكم باسم السلطة المدنية و المرجعية ايضا، و هذا ما يصب في مجرى الحكم الكثير من الافرازات السيئة التي تخرج نتيجة مزاج المتنفذ و وحسب مصالحه الشخصية و العائلية و الحزبية.
و لكن لا يمكن ان ننفي وجود مراجع معتبرة اجتماعية تاريخية كانت ام سياسية او حتى ثقافية و اكاديمية، لها عقليتها و كلمتها التي يمكن ان يدعموا على ان يكونوا شخصيات عامة خارجة من متطلبات الحياة الخاصة بهم، و يمكن ان يكونوا مراجعا مهمة و التي يمكن ان يولّوا امر الناس بشكل ما يفرضه الواقع و يكون لديهم الحل و الربط بشكل غير مباشر في هذه المرحلة المتازمة التي يقنط فيه الشعب و يأس من المماطلات الحزبية للخروج من القمقم نتيجة مصالحهم الضيقة . و هناك من الشخصيات السياسية التي يمكن ان تتحرك وفق ما تتطلبه الشروط كي تكون المرجعية المعتبرة و يتجمع حولها الشعب، بعدما تبتعد عن التحزب الضيق و هي ما لديها من المقومات و الصفات التي يمكن ان تعود اليه السلطة في اي امر كان . اي من هذه الشخصيات المستوفية للشروط المطلوبة للمرجعية لتكون كلمته مسموعة و هي فارضة لنفسها بحسب موقعها السياسي و الاجتماعي و تاريخه النظيف . المشكلة التي يعاني منها اقليم كوردستان هو خلط الامرين مع البعض، اي من يدعي المرجعية التاريخية السياسية الاجتماعية هي من تحكم الان و لديها السلطة و التي تسيَر الامور وفق مصالح حزبية و شخصية ضيقة، مما يسد الطريق حتى عن العودة الى المرجعيات المعتبرة التي يؤمن بها الفئات و ليس لها كلمة على السلطة، بحيث يمكنها البحث و ابداء كلمتها في حل الامور العالقة التي تكون السطلة من هذا النوع هي المسببة الرئيسية لها، و اوصلت اقليم كوردستان الى هذه الحال من الازمات السياسية و الاقتصادية الخانقة . فان كان مطلب الشعب الحكم الرشيد و السلطة المدنية و ترسيخ الديموقراطية و الحرية، و نحن بعيدون عنهم جميعا لاسباب موضوعية و ذاتية، فاننا يمكن ان نتبع ما تفرضه المرحلة الانقتالية و ما يفيد الجميع في امور معينة هو العودة الى المرجعيات المعتبرة في دراسة و ايجاد الحل لقضايانا و البت في امور شؤوننا لحين امكاننا من امرار الدستور و بناء المؤسسات المدنية و تجسيد القانون و التوجه نحو الخطوة الاولى من الحكم الرشيد.