عماد علي: ما نهاية مائة عام من الاحباط؟
طوال هذه السنين المنصرمة من تاريخ النضالات و الثورات الكوردية التي تخللتها الكثير من الازمات و اصابت الكثير منها بالصدمات، و الانهيارات الكبيرة في مسيرة الثورة في نهاية الامر كانت نتيجة عدم الاعتبار للعديد من العوامل التي كان من المفروض الحساب لها قبل اي حركة ذاتية، اننا خسرنا ثورات و انهارت و ضحينا بدماء و ذهبت سدى و لكنها في النهاية لم تقض على بعض الامال التي حملها هذه المجموعات و التركيبات الشعبية، و اهم المسببات الرئيسية في وصولها الى النهايات المحبطة هو عدم حمل رؤوس الثورات للافكار الواقعية وعدم اتباع العقلانية في قيادة الثورات و انهم كانوا يتبعون السير على ما كانوا يتمنون و يتسمون به من العاطفة الفكرية و الايديولوجية.
لو قيَمنا ما كررناه في تلك الثورات المتعاقبة و دققنا في التغييرات العامة التي احدثتها في كيان الشعب الكوردي فكرا و عقلا و توجها، يمكننا ان لا نمسح او نزيح ما اثرته على معيشتنا بشكل عام، الا اننا من خلال سياق الثورات و جراء ما فرضه الواقع بعد الثورة، اننا اصبحنا على حال مغايرة عن ماكنا قبلها بعد كل ثورة، و هذا من جراء التاثير الضمني الواقع المتغير بعد كل نكسة واحباط، غير اننا لم نكن نتمتع بتلك المواصفات التي تبنيها الثورات الحقيقية المنسجمة مع ما تحمله الشعوب او تتمتع به من الافكار و الحاسة الشعبية العامة و الثقافة الخاصة بها، اي اننا ان غيرنا الظروف و تغيرنا جراء ما احدثته المتغيرات اثناء سياق الثورات لكننا لم نبن انفسنا بشكل يمكن ان نبين مدى ايجابية الثورات علينا و يمكن ان نقف مانعين و محاولين عدم تكرار التجارب الخاطئة او ما يمكن ان نثق باننا لم نعد الاخطاء او لا نكرر ما مررنا به في تاريخنا خلال المائة العام من ثوراتنا المتلاحقة.
نعم بقينا على الحالة النفسية الفكرية العقلية المماثلة لما قبلها بدرجة يمكن ان نعلن مدى احباطنا من كل نكسة، دون ان نعتقد و نعمل على ان كل ثورة و نكسة تجربة لا يمكن اعادة اخطائها و ان نثبت في مسيرتنا خطوات ثابتة لنا كشعب تعبر عن ان كل نكسة بداية لثورة اخرى، بل اصبحنا في واقع كانت بداية كل ثورة آتية لما بعد سابقتها و كما كانت ما قبلها اي كانت الثورة الجديدة كما كانت في بداية الثورة التي سبقتها دون اي تغيير يُذكر. لو قارننا على سبيل المثال الثورة الجديدة بعد نكسة ثورة ايلول اننا و بحملنا لافكار و توجهات مثالية من استيراد ما حمله العالم و كان عليه في تلك الفترة او المرلحة يمكن ان نقول اننا اخطئنا كما اخطات الثورة التي سبقتنا، اي لم نحسب لما تفرضه الظروف الموضوعية و الذاتية، قلدنا ما يجري في العالم دون الحساب على الخصوصيات التاريخية و الجغرافية و الاجتماعية و الثقافية التي نحملها و نختلف بها مع غيرنا. اي الابتعاد عن الواقعية مرة اخرى . كما كانت الثورات السابقة و التوجه نحو النضال المسلح كاختيار دون دراسة ما يتطلبه، او دون دراسة او البحث عن البديل الملائم سواء كان مرحلي او استراتيجي في العمل على العبور ولو بخطوة معينة افضل من التراجع و الانتكاسة و العودة الى الصفر. و كمثال على ذلك اصرينا على اما كركوك او لا حقوق مرحلية اخرى، اما الحكم الذاتي المقولب التي كان في نظرتنا الى المفهوم او لا شيء، اما الخيار المثالي الذي يكون لمصلحة الحلقات المعلومة و ان اعلنوا بانهم يحملون هموم ما عرفوه بالامة او لاشيء. و في اكثر الاحيان وضعنا العربة امام الحصان حقا، و اتعبنا انفسنا بالتلهف وراء تحقيق تصور خاص بنا دون ان نحسب لمصلحة الاخر و مصلحتنا و مدى امكان التوافق معه و في اية نقطة . اذن الحركات التتحررية الكوردية تشابهت الى حد كبير في مسيرتها و كينونتها و عليه اصيبت بالنكسات و الاخفاقات و هذا ما ازداد الشروخ و الاختلافات بين القيادات من جهة ومع الشعب بشكل عام و ما برز منه ملامة الذات من جهة اخرى، و لكن المجموعات و التركيبات السكانية لم تياس من ما حملوه مخلصين لاهدافهم و مضحين لها، على الرغم من التقاسيم الاجتماعية التي تميزوا بها من العشائر و القبائل و افراد و شخصيات و اخيرى تكتلات واحزاب، و منهم من انسلخ من محيطه و ابتعد عن واقعه باعتباره المثقف المختلف عن عامة الشعب و كم منهم ارتكن و اعتزل و منهم من ارتهن حاله في حضن الاعداء ايضا .
من الاسباب او العوامل الرئيسية المهمة لما وصلنا اليه في نهاية كل ثورة و حركة سياسية كانت ام مسلحة هي، السير عفويا على ما فرزته الظروف الانية دون دراسة ما حدث من قبل ، اي دون الاعتبار من مسار الثورات السابقة و تفاصيلها و ثناياها و اعدنا الاخطاء في كل ثورة تلو الاخرى . هذا من جهة اما من جهة اخرى اننا لم ندرس الاساس التي قامت عليه تلك الثورات و الاساس المرحلية للثورة التي عشنا مخاضها، اي عدم الاعتبار لما هو عليه المجتمع من نواحيه المتعددة، اي تجاهلنا الواقع الاجتماعي و ما يلائم الثورة من ما موجود، و اية ثورة يجب ان تكون و ما حدود السير فيها و ما هي العواقب و المعرقلات و الايجابيات و السلبيات لكل خطوة و ما يقع لحسابها بشكل دقيق خلال مسار الثورة. مع تجاهل الواقع الاقليمي و العالمي و الاستناد على الذات دون اي اعتبار لاهمية الاقليم و العالم في ثوراتنا، اي اننا فكرنا كراعي قروي مجرد عن كل عقلية علمية و كأن ما نريده يمكن ان نحققه بالقوة الذاتية التي يمكن ان ان لا نتمتع بها ايضا نتيجة لخلافات داخلية، و لم نحسب للقضية الكوردية من جانبها العالمي بشكل علمي مناسب و لم ندرس ما تتطلبه السياسات العالمية و الظروف الموضوعية و ما تفكر به دول العالم التي له الصلة بمنطقتنا، و لم نضمن دعم دولة كبرى بل سرنا معهم بشكل تكتيكي دون ان يكون لدينا حتى وثيقة وحيدة نبرزها حال تراجعهم عن مواقفهم. نعلم باننا اصحاب حق نعم و لكن هذا الحق لا يمكن ان نجد له مدافعا غيرنا، نعم اننا شعب قد ظلمنا الاخرون و لكنهم لازالوا اقوى منا و لهم الامكانية لصد تحقيق الحق و دحره اينما كان. كنا بعيدين عن حساب المصالح للاطراف التي تكون لها صلة بقضيتنا من قريب او بعيد، بل كنا نعتقد باننا امام عالم مسالم يحسب للاخلاق اهميتها و كانت السياسة و لازالت هي التي تحددها و تؤطرها، و الاخلاق بعيد كليا عن ما يمكن ان يضمن المصالح، سواء كان هذا سذاجة منا ام عدم امتلاكنا لقيادات محنكة مبدعة، و رغم كل الادعاءات التي سمعنا عن عبقرية هذا و ذاك و ابرزوا لنا من الجهابذة التي كنا نعتقد بانهم يحسبون في مسار الثورات لكل صغيرة و كبيرة حسابها. انناعلمنا بعد ذلكا باننا حتى لم نفرق بين التكتيك و الاستراتيج و لم نحدد المصالح وفقهما في اية مرحلة من مراحل حركاتنا السياسية و المسلحة كانت.
ما عشناه لم يكن فيه من الحسابات التي يجب ان تعتمد على البراغماتية في التعامل مع مصالحنا و ما يريده الاخر و يهتم به، و العاطفة المسيطرة على العقلانية في سياسة القادة وا لرؤوس كانت السمة الاساسية للقادة طوال كل تلك الثورات، فهل من المعقول ان تحسب لبند او مادة مهمة لفلسفة ما قد تؤدي الى خراب البلد نتيجة التضاد و التضارب مع اقوى دولة في العالم، و انت تتبعها و تؤمن بها و تعلن ذلك امام الملا دون ان تحسب ما تتضرر من هذا العمل و ما تتبعها من الخطوات التي تخطوها اصحاب او اعداء تلك الفلسفة السياسية او الفكرية المعينة. اننا لم نحسب للاقتصاد ولو بخطوة او مساحة معينة و الجميع يعلم بان الاقتصاد هو المحرك الاساسي للسياسة التي تضمن المصالح العليا به. لم نعتبر للتاريخ و ما جرى فيه و لم نستوعب التجارب و ان كانت غنية، و لم نحتسب حتى لوهلة بان الدول تهتم بالتاريخ و الاقتصاد و المصلحة و تحسب لها في ممارسات سياساتها فكيف بحركة سياسية بعيدة عن امتلاك اصحابها للدولة المستقلة.
ان حالنا ككورد في العالم المشتت و غير مركزي الحكم كانه قطرة ماء في بحر السياسة العالمية، على العكس من هذا الواقع ان ما نفكر و نعتقده و كل ما سرنا عليه و نسير لحد الان وهو كاننا محل اهمية الجميع و انهم لا يمكن ان يمرروا سياساتهم ان كانت على حسابنا و لمكن ان يستغنوا عنا، و لم يكن بمقدرتهم ان يفرضوا سلطاتهم و ارادتهم علينا، لا بل تصادمنا بفرض اكبر ارادة و مصلحة دولة اقليمية معينة في تصديها لنا، و هو ما سبب لنا الانتكاسة و الانهيار المرحلي للثورة و قياداتها، و ان لم يياس الشعب من فوران تلهفهم الى تحقيق امانيهم و اهدافهم الحقة.
ان غياب دراسة عوامل النكسات التي حصلت هي التي فرضت تكرار التجارب مرة بعد اخرى، و طوال المائة عام من انشغالنا في تحقيق ابسط الحقوق و هو انبثاق و بناء دولتنا التي غدرت بنا القوى العالمية على سرقتها منا، لم نر الا الاحباط الدائم و لنا في الطريق ما يمكن ان نعتبر انفسنا قد نعيد التجارب الماضية في هذه المرحلة ايضا، لننتظر.