عماد علي: لماذا كل هذا الغضب؟
بعد ان استيقضت صباحا و انا اسمع صراخا لجار قريب مني، وهو يسشيط غضبا و يصرخ و يقول باعلى صوته؛ سافقأ عينيه الاثنتين، و كان من شدة فورانه من انه الحق و الصح فيما كان يتوقعه و من تسبب في اتفه شيء كان اغضبه. و بعد ان تاكدنا عليه من انه يمكن ان يكون على الخطا و متوهم فيما ذاهب اليه بتوقعاته، لان من يقصده المسبب كان في العمل ليلا و لم يعد لحد الساعة، هدا من روعه و تافف و اراح نفسه بشهيق طويل متاسفا مما بدر منه في هذا الصباح الباكر. و بعد ذلك عندما جاء طفل في سن الزهور و قال له يا بابا، لقد تعثرت قبل قليل بحاوية نفايات بيتنا و تالمت بعدما ذهبت لاشتري الخبز. كل ما كان يستصرخ و يصيح و يعيط من اجله هو ما سبب في نشر النفايات امام بيته، و شكه في احد من ابناء جيرانه لانه انتقده بالامس لسلوك صدر منه، و بادر الى الاعتذار منا فيما سببه في هذا الصباح الباكر، و انه كان على حال و لربما اقترف حتى جرما بعدما ظن الشر. هكذا استيقضنا على هذه الحال في صباح باكر لم نسمع كلمة الخير، لكن مر بخير و تصالح مع ابن الجيران ايضا بعدما عاد من عمله لكونه احس بانه تسرع و اتهمه في قرارة نفسه. بل لكونه رجل كبير لم يسمح له عزة نفسه ان يعتذر من احد اصغر منه و احس بخطاه حتى من ما وبخه عليه لانه كشف ايضا بانه شيء خاص به و ليس حتى للاخ الكبير ان يتدخل به، لم يغادر الا بعد ان داس على كبرياءه و ان يقول اخيرا يا جماعة الخير ارجوا ان تعذروني على ما بدر مني في هذا الوقت بالذات.
كل هذا و انا تعمقت في الامر و ما يفكر به الانسان لو بدا عليه فورة غضبة او لحظة و هو يعيش في حالة يتوقع السوء من مَن كان على خلاف معه دون ان يفكر بالاحتمالات من جهة، و ربما يرتكب اخطاءا اكبر لو لم يتمعن و يتمحص و يكشف بنفسه الحقيقة ليقرر فيما بعد الخطوة الملائمة من جهة اخرى .
هذا ينطبق على الحالة الاجتماعية كما هي السياسية ايضا، سواء ما بين القادة او الاحزاب ذاتها . فلا يمكن ان يتوقع من يضمر في نفسه الشر للاخر ان يتوقع الخير منه و ربما يكون على الخطا، هذا ينطبق على شرقنا لانعدام المؤسسات و افتقارنا الى العقلية المؤسساتية المعتمدة على المصالح و العمل العقلاني العلمي الذي تبعد عن نفسها كل ما يمس النفسية من الكره و الضجر و التوقعات الخاصة و الحالة الاجتماعية و النظرة الشخصية للامور. فهل من احد ينكر بان المشاكل و القضايا الكبرى التي لا يمكن ان تُحل الا بما يمكن ان يبادر اليه احد القادة على الرغم من ما يفرضه حزبه و كم من المشاكل اسير غضينة و حقد شخصي يحول دون الوصول الى امر يمكن ان يفيد المجتمع بشكل عام. لا يمكن ان ابالغ لو قلت رؤساء جميع احزابنا التي يتسمون بما كان يدفع بهذا الرجل ان يغضب و بنهار لشدة انفعاله على امر لم يكن السبب ما توقعه، و لكن القادة لم يُكتشف لهم الصح او الحقيقة احيانا الا بعد فوات الاوان و تتضرر منه الشعوب.
فالتوقعات المبنية على الخلفية الشخصية او الحزبية او نتيجة امر يفرض حكما مسبقا و لم يكلف صاحب القضية نفسه للصبر القليل ليكشف الامر، فان نتائجه ستكون وخيمة على نفسه و على الجميع حتى و ان كانت توقعاته صحيحة و في مكانها، لانه سيركن الى مكان و يقرر ماهو الخطا و اكثر فضاحة من السوء الذي بدر ضده لانه يقرر في فورة غضب، و اي قرار عند الغضب لا يمكن ان يكون صحيحا و مناسبا.
و في هذا الجانب ايضا، كنت في احد الايام مع قائد من القيادات الكوردية و لاحظت ما يبدو عليه و هو قلق و يتعمق في التفكير و كان يظهر عليه الشكوك في شيء ما، و هو يفكر بالموضوع بحالة غير اعتيادية . و بعدما بدر منه رؤس الاقلام لما يفكر به، و استوضح لي انه كان يتوقع من اجتماع المنافس له مع جهة اخرى بانه لامر يخصه و ربما على شيء يمكن ان يحيكوا له خطة لازاحته في امر قد انشغل به طويلا، و ابديت استغرابي من خلط التوقعات و ان يلتقي عنصر في حزبه مع الاخر لا يمت بصلة بحزبه من اجل امر او ما يتوقعه بمؤآمرة في وضح النهار و ان كان الوقت ليلا و لكن العمل كان علنيا و في مكان عام.
بعد نقاش طويل و كنت اريد ان اهدا من روعه قليلا كي نعلم المقصود او غرض اللقاء الذي جاء باخباره الى رفيقنا الغاضب احدهم يخبر بها تملقا كي يقرب نفسه، وعلى اساس انه من المقربين و يفعل كل ما يمت له المصلحة و الخير لقائده، و كل ما اصريت عليه الصبر و معرفة الامر من صاحب الشان، و لكنه لم يعر لي اي اهتمام و لم يعترف بانني كنت على الحق في عدم المبالغة في شان لا نعلم ما حصل خلاله بالشكل المعلوم و باليقين . هكذا مر وقت و ربما اخذ رفيقنا القرار في قرارة نفسه و ما يمكن ان يفعله و جهز في ذهنه ما يمكن ان يرد به على من يريد له الشر. و نحن نناقش و كنا في صلب المناقشة و لم نر الا و دخل علينا من اجتمع مع من لا يستسيغه رفيقنا و توقع منهم الشر، و بعد استراحة قصيرة، استهل الاخ الكلام و تكلم عن ما فعله الليلة الماضية و كان مع الشخص الذي توقع منه صابحنا ما يفكر في خطة او مؤآمرة. و كان مختصر نقاشاتهم و كلامهم و قراراتهم هوتنظيم لقاء ثنائي و ما ينويه الاخ زيارة اخينا المشكك و ليبين له المشكوك في امره ما يريده، و هو انه يريد ان يستوضح له بانه كان على خطا و ندم على سلوكه و يريد الاعتذار و انه يعتبره الاخ الاكبر له. و به بدا على وجه رفيقنا القلق الارتياح و زفر طويلا بعدما اكل القلق من اعصابه و شرب خلال هذا الوقت، و ابدى استعداده لاستقباله و تصفية الامر، و نظر الي مبتسما و انني نظرت الى الاخ الزائر ضحكا و استهزات منه مازحا و قلت، و هذا امر انت جئت به في هذا الامر و انت لم تعلم ليس بينهما اي و اصلا لم يفكر الاخ بما حصل و لم يحمل اي شيء سيء ازاءه، و ضحكت مع الاخ المشكك، دون ان يعلم الاخ الزائر شيئا من ما سبق مجيئه الينا، و التقوا فيما بعد على الخير و المحبة و عادت المياه الى مجاريها.
انه نفسه الغضب، استنادا على اسباب سابقة او خلفية حاملة لللضغينة، و به يمكن اصدار قرارات خاطئة التي يمكن ان تضر بالكثيرين مع الذات ايضا، و بالاخص ان كان صادرا من قبل من له النفوذ و بيده الحل و الربط و اي خطوة له يمكن ان تؤثر على الشعب في النتيجة النهائية . و لهذا يجب ان يكون الهدوء و الصبر و التمعن و التدقيق من شيم الشخص المتزن، فكيف بقائد او من يعرف نفسه بقائد في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل على ايدي هؤلاء المتسرعين في اقرار ما يمكن ان يفرز منهم من السوء، و لربما لا يمكن ان يُعاد الامر الى سابق عهده، و عليه فانه احد الاسباب الجذرية التي وصلت حال كوردستان الى ما نحن عليه.