عماد علي: نرجسية اردوغان تفشل تركيا بعد نجاح نسبي.
منذ مجيء اردوغان و المنحنيات السياسية و الاقتصادية التركية تتزحلق بين الصعود و النزول دون الوصول الى ما كان المنتظر منه، رغم نجاحه النسبي لمدة معينة، و لم ينجح فيما تشدق به حزب العدالة و التنمية و اشارت الى افعاله الكثير من الحكومات و الاحزاب و القادة الشرقيين بالبنان واعتبروه النموذج الجديد لدولة علمت كيف توفق بين تاريخها المترنح بين العلمانية و الاسلامية و ما يفرضه العصر الجديد. تعاملت تركيا بكل ما لديها من الارث المعيق لتقدمها مع الجميع ببراغماتية قحة و لم تفرق بين صديق و عدو في اولوية مصالحها، و هي تفتخر بتقدمها النسبي اقتصاديا، و هذا ما اصاب قائدها بالغرور عند اعتقاده بانه يمكنه ان يؤصل دولته الى مصافي الدول الاوربية و على الاقل الشرقية منها باسرع ما يكون، اما وصولها الى ما هي عليه الان من تراجع مخزي لم يكن بباله، فاصبحت دولة حائرة جامدة غير متحركة في مكانها في الوقت الحاضر، مستعجبة بما اوصلت نفسها اليه نتيجة التخبط بين ما ورثته و ما تريد. هذا ما كان لدى اردوغان و حزبه و ما فرضته نرجسيته القاتلة على السياسة العامة لبلده بشكل واضح.
الجميع تعايش مع المواقف الشاذة و غير المتوقعة من تركيا ازاء التغييرات التي حصلت في المنطقة و كيفية سلك الطريق المطلوب بتهور لوصولها الى الاتحاد الاوربي، و اقحمت نفسها في متاهات لا مبرر لها، في حين كان عليها ان تسير بالخطوات التي استهلتها للتقرب من تطبيق الشروط الاوربية لتحقيق اهدافها الكبيرة . غير ان التسرع و المصالح الشخصية و ما يحمله اردوغان من الافكار التي تؤدي به الى السير على الطريق الخاطيء نتيحة تلاعبه مع العقيدة و الفكر الذي يحمله لاغراض مصلحية بحتة دون الاعتماد على مكنون الفكر و جوهره او توائم ما يؤمن بما يصلح له شخصيا قبل حتى بلده، و قد ادى ذلك الى تشوه في مضمون ما يؤمن به و تاه عن الطريق دون ان يقصد ذلك لاسباب موضوعية و ذاتية خاصة بشخصه قبل بلده او فرضت اطماعه الخاصة ما ادى الى انحرافه.
منذ مجيء اردوغان شهدت تركيا تقدما نسبيا في المجال الصناعي التجاري و الزراعي و ارتفعت مستواها التقدمي درجات معينة و حققت تنمية ملحوظة في جميع المجالات، غير انه يمكن ان تكون لكل نجاح غير مبني على اسس متينة نهاية كارثية ان لم يُبنى على اسس صحيحة متينة. فان تركيا انحدرت و مالت كثيرا نحو الهاوية المتوقعة في نهاية الامر ان لم تعيد النظر فيما هي عليهالان. فقد تلاعبت سياسيا و تناورت و انتقلت شرقا و غربا دون ان تفكر في استراتيجية معينة، و تبنت كل تلك التنقلات استنادا على مجموعة من التكتيكات و المصالح الضيقة قاصدة وضع الدول العالمية المتنفذة امام االامر الواقع دون ان تفكر في احتمالات الخطا في سيرها و انها ربما سارت عكس اتجاهها هي بنفسها منذ بداية صعود بريق تفاعلاتها مع العصرنة بمجيء حزب اسلامي نجح و بهر العالم بنجاحه و هو يقع في حضن تاريخ و حضارة و منطقة مختلفة جدا عن البلدان المتقدمة و اخترق الجدار المانع لتقدم البلدان الاسلامية نتيجة وجود الحواجر التاريخية و الاجتماعية و الاقتصادية في المنطقة.
ان اكبر مانع لتقدم تركيا و ما فرضت نفسها على التراوح اخيرا هي النرجسية العالية لما يحملها اردوغان و وصوله الى مستوى غرور لم يكن له مثيل خلال العقود الماضية لدى القادة التركية في تركيا العلمانية. و نتيجة التزام من ةكان قبله بالمؤسساتية و ان كانت بعض منها شكلية. الا ان اردوغان قد لعب بما هو غير متوقع من رجل يعتبر نفسه مقتاح النجاحات النسبية لبلاده، او ربما النجاح هو الذي فرض الغرور و التخبط على هذا الرجل الشرقي كما هو معروف عنا. حيرة الناس من عقلية اردوغان و مناوراته بين الرجل العثماني و التقدمي الاوربي قد اضاع الفرصة من جهة و اطاح به ايضا من جهة اخرى، و الا هل من المعقول ان من يتحدى الاخرين ان يضرب الدبلوماسية التي ادعى التزامه بها من اجل هيبة و سمعة بلاده و ان يتخطاها خلال اشهر وما وقع نفسه فيه من تنازله المشين نتيجة اخطاءه المتتالية في غضون فترة قصيرة جدا.
يطمح اردوغان في تبدل الهوية التركية الايديولوجية كثيرا، ليس لاقتناعه بعدم جدوى ما هي بلاده عليها بل لكونه يريد ان يتوصل الى تحقيق اهداف ضيقة الافق المدفوعة من نرجسيته الشخصية فقط. و الا فانه قد تقدم خطوات فيما سلكه منذ مجيئه، فهل من المعقول ان يتسبب بنفسه على تراجع بلاده كثيرا في فترة قليلة جدا، و بالاخص فيما يؤمن به في محاولاته الكثيرة من جانب واحد فقط كطريق رئيسي و هو من الناحية الاقتصادية اكثر من الجوانب الاخرى. اي لقد وقع اردوغان في حفرة ان كانت محفورة له ام حفرها دون ان يعلم او كنتيجة طبيعية لسير اي حاكم وراء ملذات و طموحات شخصية بعيدا عن الحسابات الدقيقة لمصلحة البلد. لقد سارت تركيا دون ان تتمسك بالاسلام الشكلي كايديولوجيا كما اراد اردوغان و لا توصلت الى حال يمكنها تحقيق شروط العلمانية المطلوبة منها كي تفتح الباب لدخولها الى الاتحاد الاوربي على الاقل.
انه رجل اراد خلط الليبرالية العلمانية بالاسلامية و فشل فيه نتيجة ضغوط الرؤى الشخصية الضيقة لديه اولا و من ثم عدم توائم الافكار المتناقضة التي يحملها مع بعضها ثانيا مع الالتزام بالارث التاريخي المغاير لما وصلت اليه تركيا الحديثة ثالثا. فان تركيا ضاعت بين التوجهات المختلفة التي تبنتها و ارادت الابداع و انه توهم ما هي فيه و اراد ان يلعب في جو غير ملائم لما ارادته و في ارض ليست ملائمة لما يمكن ان تبرز فكر يمكن ان يقتدى به الاخرون و يمكن ان يحقق نجاحات باهرة. فان الواقع و التاريخ و النرجسية من العوامل الحاسمة لتخبط تركيا في هذه المرحلة بالذات، و عليه، فانه تعلقت بالوحل و لا يمكن ان تنقذ نفسها الا بالتراجع عن الكثير من المسالك التي تبعتها.