کامەران چروستانی: أین العالم الأسلامي في الحیاة المعاصرة؟
نشر صدیق عزیز قبل أیام في صفحته الشخصیة علی الفیس بوك صورة لفتی و هو یحاول إیصال رقم هاتفه الخلوي الی فتاة تمشي خلف أمها. و لم تمر ساعات قلیلة علی نشرهذه الصورة حتی تعالت الاصوات (سبحان الله، هکذا نفقد الثقة بالآخرین، هذا عمل غیر شریف، استغفر الله، و . . . الخ.). قرأت بعض تعلیقات الأصدقاء و الصدیقات و تخیلت أن هناك کارثة أکبر مما کنت أتصوره: إعطاء ورقة هي کارثة تٶدي الی انحطاط قیمنا الدینیة، الأجتماعیة و الأخلاقیة. لکن سألت نفسي:
ماذا یحصل هناك في الصورة؟ ما هي أساسیات تفکیر و خلفیة آراء المشارکین في التعلیقات؟ أین الخطأ في هذا التصرف و کیف یجب أن یکون الطریق الصحیح؟ ألیس من الأفضل أن نبحث عن أسباب تصرف هذین الشابین و نبحث أیضا عن أسباب ردة فعل الأصدقاء و الصدیقات؟
إن من أکبر المشاکل التي تواجه العالم الأسلامي هي المحاولة في المضي قدما للعیش ضمن إطار حیاة لم یعد إطارا علی أرض الواقع و إنما إطارا في مخیلتنا و تمنیاتنا أن نحققه یوما ما. تغیر العالم و تغیرنا جزئیا معه، تقدم العالم و بقی جذورنا حیثما کنا، فبقی قدم مجتمعاتنا في العصور الماضیة و القدم الآخر یواکب التقدم، فلم و لن نتمکن أن نبقی في ماضینا و لا نتمکن أن نثبت أقدامنا في حاضرنا و مستقبلنا. فما زلنا نتصفح الاوراق القدیمة لکي نجد الأجوبة الصحیحة المتعلقة بأسئلة العصر و هکذا أصبحنا کالمفقود في الصحراء لا نعرف الی أین نتجه و لا نعرف أین المفر.
لنعد الی الصورة (الکارثة) حیث یحاول الشاب ایصال رقمه الی الفتاة: إذاً کان الهدف هو تعارف شخصین و الأقتراب بینهما!!!؟؟؟. لکننا لن نتصور هذا الهدف الأنساني و إنما نتخیل (الأخطاء) و (اللاشرعیات) التي یمکن أن تحصل إذا ما إختلطت فتاة بشاب ما و نتخیل ما هو الأسوأ في تلك العلاقة. لکننا ننسی الماضی البعید و القریب حینما کانا یلتقیان نفس الفتاة و الشاب في إحدی الغابات القریبة من القریة أو علی ضفاف النهر أو علی العین حینما کانت تجلب الفتاة الماء الی العائلة أو ربما من خلال رسالة کان یرمیها الشاب علی طریق الفتاة و هي ترجع من المدرسة. إذا أساس المحاولة هي نفس الأساس بحد ذاته و لکن مع تغیر العصور تغیرت الأسالیب. المشکلة تکمن في ما نعرف الآن. ففي عصرنا هذا نری ما لم نکن نراه من قبل و ذلك من خلال التکنلوجیا الجدیدة. بل الأصح هو أننا لا نرید أن نری ما یحصل علی الأرض الواقع و نواجه الحقیقة کما هي و إنما نرید أن نبقی في الوهم الذي نعیش فیه. فنحن مصابون بفوبیا (الخوف) من الحقیقة و الواقع، فنهرب منه حفاظا علی أوهامنا و خیالاتنا. فمن خلال التغیرات التي طرأت علی العالم، قد تغیرت جزء من حیاتنا أیضا، فنستخدم الآن ما هو من إنتاج العلوم و التکنلوجیا المعاصرة و لکننا نصر علی إبقاء شکلیات حیاتنا الشخصیة و الأجتماعیة کما کنا في الماضي تارکا تأثیر العالم الجدید في سلة النفایات. و كأننا بأصرارنا هذا سنتمکن من إبقاء الفرد في حدود ما نصبوا الیه.
فنتکلم دائما عن الأخلاق، الحیاء، الآداب، العادات و التقالید، الشرف، البکارة، الرجولة و الکرامة، و لکننا ننسی دائما ما نحن فیه و ننسی شتی أنواع المشاکل في المجتمعات الأسلامیة من مراکش الی باکستان و أفغانستان، بحيث أصبحنا أکثر الدول تخلفا، حربا و عدوانیا، فنقف الآن في نهایة ذیل الحضارة الأنسانیة، لا نقدم شیئا، نستورد و نستهلك کل ما نحتاجه في حیاتنا، أما عن العلم و الثقافة فنهتم و نستورد (فقط) أقل ما یمکن الأستفادة منه و یجب أن تکون (الثقافة المستوردة) ملائمة لمجتمعاتنا. نتکلم عن الأخلاق و نعني به أشیاءا متعلقة بأجسادنا و علاقاتنا العاطفیة و الجنسیة، نتکلم عن الأخلاق و ننسی أن نسأل أنفسنا: لو أننا نعتبر الصدق، الأمانة، التسامح، التصرف، الأحترام و الألتزام جزءا من أخلاقنا و نقیمهم کما هو مطبق في مجتمعاتنا، فأین نقع نحن علی السلم الأخلاقي؟ آنذاك يجب وضع علامة الأستفهام علی أخلاقیات الجزء الأکبر من أفراد المجمتمع الأسلامي من شرقه الی غربه و من شماله الی جنوبه.
رغم کل السلبیات في حیاة الفرد و المجتمع، رغم إزدواجیة المعاییر و الأزدواجیة في الحیاة الظاهریة و الخفیة للفرد، لکننا نقیم أنفسنا بأننا الأحسن أخلاقا بل أحسن أمة أخرجت للناس تارکا المفردات المهمة في (الأخلاق الأنساني) التي تجمع العالم بأسرها و بکل ما یحتويها الحیاة الفردیة و الحیاة الأجتماعیة في سلة المهملات. و هکذا أصبح کل فرد منا جزءا من ترکیبة معقدة لا تمت بأية صلة بالفردیة و لا بالجماعیة، لأن العالم الجدید بأمکانیاته التکنلوجیة العالیة یسر لنا الطریق لکي نعبر الحدود و القارات، لنصل الی حيث ما نرید، فلا الأبواب و لا الأسوار و لا الحدود المرسومة تجبرنا علی البقاء في الحد الضیق و الذي یرسمە لنا الآخرون.
و ها نحن نعیش في عالم إسلامي مزدوج: عالم یراه کل من یتابع الحیاة هنا، و عالم آخر خفي لأکثریة أفراد المجمتع حیث یتمتعون بحریتهم و (بحقیقة و واقع) شخصیتهم. فمن تقاریر و أحصائیات المنظمات و المراکز الأجتماعیة نستنج بأن العالم الأسلامي یمر بفترة عصیبة من فقدان الهویة و الفقدان بین هذین العالمین المختفلین، حیث هناك تغیرات غیر متوقعة في العلاقات الأنسانیة، الأجتماعیة و الحریات الفردیة و أیضا في کیفیة الوصول الیهم. فلماذا ننقد الحیاة الحرة في اوروبا و الأکثریة في مجتمعاتنا تمارس سرا ما یجب علیه کتمانه و هناك من یجازف بحیاته و یجري بالأتجاه المعاکس، رافضا ما یفرضه المجتمع و یعیش علنا في عالمه الجدید.
من هنا يأتي السوآل: إذا فما الحل؟ هل سنفتح الأبواب علی مصراعیها لثقافات و تقالید ربما تکون مقبولة لمجتمعاتنا في الوقت الحالي و ننتظر ما سیحدث غدا مع الأجیال القادمة؟ أو یجب أن نوصد کل المنافذ لکي نراقب کل ما هو آت و بهذە الطریقة سنتحکم علی الحیاة کاملة کما نخطط لها؟ أو ربما نلتزم بأختیار آخر؟ هل سینقذنا تلك الکلمات الموجهة الی الصورة المذکورة في بدایة الحدیث؟ أو نخبأ رٶوسنا و أعیننا في الرمل لکي لا نری الآخرین و لا نری ما سنواجهه؟
أتذکر مناقشتي مع إحدی المدرسات الروسیات حینما کنا نتحدث عن التربیة المعاصرة و قالت: نحن نعیش الآن في عالم بلا حدود، هذا العالم لم یبق کبیرا مثلما کان في الماضي، بل أصبح صغیرا و بلا حدود. فلیس بأمکان الجیل الجدید أن یفهموا عالمنا و عصرنا، و لیس هذا واجبهم. لکنهم یحتاجون الی مساعدتنا، تربیتنا، مساندتنا و إرشاداتنا لهم لکي یتمکنوا من سلك طریق صحیح مناسب لنظرتنا و نظرتهم للحیاة، طریقا مناسبا للعالم الجدید تماشیا للحریة الموجودة علی أرض الواقع في هذا العصر و إلا سنخسر الجیل الجدید و سنخسر معهم علاقاتنا و تقاربنا معهم.
فالعالم الأسلامي یحتاج أیضا الی النظرة ذاتها صوب العالم الجدید بکل ما تحتويها من معان جدیدة و إن تکن غریبة أو غیر مقبولة، فیجب قبول واقع العالم الجدید محاولا في الوقت ذاته التجانس و التأقلم معه بشکل یتوافق مع مجتمعاتنا لکي نتمکن من خلق تربیة جدیدة ملائمة لبیئتنا الشرقیة و کذلك ملائمة لروح العصر. فمن خلال هذه الطرق فقط نتمکن من إنقاذ جیل من الضیاع و توجیههم لکي نرشدهم في طریق مقبول و نمکنهم التوغل في صعوبات الحیاة و التي من الصعب أن ینجوا أحد منه بسهولة. فالأنقلاب علی ما نحن فیه الآن خطأ و المحاولة لأبقائنا کما نعیش الآن سیکون خطأ أکبر لأننا سنفرض علی الجیل الجدید الدخول (لیس فقط) في صراع الأجیال و إنما الدخول في صراع العصور و هذا ما یجب أن نجتنبه، و ندرکه و نعمل من أجله.
فرفضنا للعالم الجدید لا یعني بأننا سنتمکن من الحفاظ علی مجتمعاتنا و قیادتها الی بر الأمان، بل بالعکس، یجب علی العالم الأسلامي أن یدرك بأننا نعیش الآن في مرحلة إنتقالیة و من المستحسن أن نعبر هذه المرحلة بالعقلانیة مما یضمن لنا حیاة مزدهرة و إلا سیدخل العالم الأسلامي في عصور الوسطی الأوروبیة المظلمة ضمن صراعات دینیة، مذهبیة و فکریة و ستتحول أراضینا الی منبع لتضحیات لا مبرر لها، مدمرا کیاننا. فالحکمة لا تأتي من الأصرار و إنما من التفکیر العقلاني.