عماد علي: اردوغان و حالة القلق الدائم.
يبدو ان الانظمة عندما تتكلس او تبقى متحفظة على ما تفرضه من اجلها هي بالذات من دون مراعاة التغيرات الدائمة الطبيعية في نمط الحياة, فانها تتعرض لضغوطات كبيرة من تركيبتها و ثناياها الذاتية التي لا تتقبل افرازات التغييرات التي تبرز بشكل طبيعي, و به ستكون تحت ضغط الواقع المتغير و خصائصه المختلفة و تعاني من ثقله.
ان النظام التركي الذي جاء بعد فرض النظام العلماني الفوقي على ايدي كمال اتاتورك، شهد مفاجئات و انقلابات عندما تعرض في مسيرته الذاتية الى الجمود و ما فرض المفاجئات السياسية بعدما مل الشعب كثيرا من عدم توافق متطلبات النظام القائم مع خصائص الشعب الذي خرج و هو في الحالة المرضية و تراجع عن ما شب عليه لمدة طويلة في مغامراته الخارجية و تعرض لتغييرات داخلية جذرية. اي بدات التغييرات متسارعة مقارنة مع بقت عليه تركيا العثمانية لقرون نتيجة فرض هيمنتها على المناطق الشاسعة في هذا الاقليم و العالم مستغلة الدين الاسلامي و بتعليمات سياسية تركية مصلحية طوال تلك المراحل و اعتمدت امبراطورية خاضعة تحت هيمنتها القوى العديدة في المنطقة.
بعدما جاء اتاتورك و اراد التغيير الجذري بنظام و فكر و عقيدة مناقضة تماما لما امن به الشعب و شوهوا به دماغه و كانت الدولة لتوها خارجة من تجربة وهي غير سالمة لا بل خرجت منها مريضة، لم يتحمل الشعب النظام الجديد بسلاسة و هدوء, و كانه تعرض لاجراء العملية الجراحية دون تخدير او تمهيد و اجراءات وقائية مسبقة. و استمرت تلك الحالة لمدة طويلة نتيجة التغيير الذي يريده الشعب من ذاته من كافة النواحي ليتقبل الجديد باستمرار، و به راى الناس خلطا في الفكر و العقيدة في واقع استمر بالشكل المعتاد و سادت مرحلة فوضى الا ان القوة حسمت الامر في النهاية , و كانت تركيا منذ قرون ترزح تحت النظام االعثماني اولا, و من ثم استخدمت القوة العسكرية المفرطة لفرض النظام و اصبح العسكر على راس السلطة و ان كانت الدولة مدنية علمانية ومعتبرة نفسها بالديموقراطية ثانيا.
بعد المنغصات و الازمات العديدة التي نخرت في عمق النظام داخليا, وكان على الدوام المانع الحاضرفي ازاحة النظام هو وجود السلطة العسكرية التي كانت سائدة كلما احست بان دورها يمكن ان تقل, فاادارت وجهها من الرئيس و اقدم على النقلاب و غيرالواقع السياسي و اتخذ اجراءات عديدة و انشغل الشعب بما اصبح الجديد البديل و هو كان في اساسه تغييرا في الشكل و المظهر ليس الا, و لم يكن اصلا بديلا بل تغييرا من اجل فرض المصالح الخاصة لمجموعة فوقية صاحب الامر.
الى ان جاء اردوغان بعد بروز الاحزاب الدينية و منذ فترة نجم الدين اربكان الذي فتح الطريق او على الاقل نافذة كبيرة للمس في النظام الذي اعتبر نفسه علمانيا راسخا,و هو يستند على القوة و العنصرية و السلوك الدكتاتوري مخفي باسم الديموقراطية، و هو بعيد عن الديموقراطية الحقيقية من اساسها. الظروف سمحت بان يبرز من بين انشقاقات الحال التي سارت عليها تركيا قائد باسم اردوغان بعدما فعل ما فعله الاخرون بطرق عديدة من اجل نفسهم، و منها الاعتماد على الدين و استغلال المؤمنين, الى ان وصل الىكشف نفسه و ما يكن و بيان نرجسيته و اهدافه بشكل واضح، و نجح في مد يده الى المبادي الاساسية الخاصة التي بنيت عليها الجمهورية الاتاتوركية بشكل غير مسبوق، و مارس بحيله و تكتيكاته الضغوط على الجانب الضعيف في بنيان الدولة و ابعد ايدي العسكر عن طريقه و اطمان من الانتقال الى مرحلة جديدة بعيدة عن الانقلابات التي كانت تعاني تركيا منها قبل مجيئه بفترة . لا بل استاصل كل العوامل التي يمكن ان تدفع الى حدوث انقلاب عسكري و بالطريقة ذاتها وهو فرض انقلابه السياسي العسكري بطريقة ذكية لا مثيل لها في العالم، و ابعد به ماكان يعتقده الخطر الداخلي الاوحد في مسيرته وهو الوالذي لد نشا من طينته و تربى و برز عليها, و استغل الانقلاب الذي دبره بشكل و اخر مباشرة كان ام نتيجة تلويح لهذا او ذاك و بخطط و افعال سرية للغاية، و به قطع الشوط الاكبر للوصول الى ما نواه في فترة محددة . و لكنهفي جانب اخر, قطع الامل في دخوله الى الاتحاد الاوربي و غير من وجهته بكل كبير دون ان يقطع الصلة مع القدماء لاسباب عديدة.
اليوم و بعد ان نجح في تغيير الدستور باي شكل كان و هو يعيش في مرحلة غير مستقرة سياسيا, و الى حد كبير فانه يتخبط في امور كثيرة و منها اقليمية و داخلية، لم يتخذ طريقا استراتيجيا عاما يمكن ان يضمن مصيره هو و نظامه المنتظر بشكل نهائي لحد الساعة، فهو لم يقرر بعد تعامله مع القضايا الداخلية و منها القضية الكوردية بشكل نهائي و يسير على متطلبات اليوم، فانه يترنح بين التواصل في المصالحة و التفاوض او اتباع خطط العسكر من قبله، و خصوصا انه يعاني الازمات الاقتصادية بعد فترة من الانتعاش الذي شاهدته تركيا و الذي دفع الى اغراءه و اعتقد بانه يسير في المسار الصحيح, و به اتبع هواه و طموحاته اكثر من المعقول. و من الجانب الخارجي، و في المنطقة بالذات, فانه لم ينجح بعد في سياساته و تعرض لنكسات سياسية كثيرة اثّر على الداخل التركي ايضا، و نراه يخطو في اتجاهات غير صحيحة غير محتسب لما هو فيه داخليا و يريد ان يتحايل على القوى الكبرى بتكتيكات مختلفة متتالية غير منطقية, على امل ان يجد طريقا لعودته كما كانت تركيا ذلك الطفل المدلل للقوى الكبرى و بالاخص الامريكية في المنطقة, و كما كانت تركيا طوال العقود الماضية، و لم يعتبر من الاخطاء الكبيرة خلال المرحلة الحالية التي اثرت علىى موقفه و موقعه لدى هؤلاء على المدى البعيد.
لذا، اننا نرى ان اردوغام يعيش اليوم في قلق سياسي دائم و لم يجد ارضية مناسبة ليستند عليها من اجل التاني و التمعن ليتمكن من اخد قرارته، و عليه، نجد انه يكرر تخبطاته و يتخذ من القرارات الارتجالية دون ان يفكر في مصيره على المدى البعيد و يصر على مجموعة من الاهداف الضيقة الافق, متاملا في فتح الساحة اكثر اليه بخطوة مناسبة تجمع او تتلاقى فيها المصالح التي سارت عليه من قبل. و داخليا و كما ابعد العسكر في طريقه يعتقد بان القضية الكوردية المصيرية هي حالة استثنائية و لم يفكر في انها حقيقة و حق و لا و يمكن ان يتعامل معها كما فعل مع القضايا السياسية المظهرية الاخرى متاملا في انهائه بحيله السياسية غير ابه بما يؤمن به شعب كبير . و مهما حاول، اننا و اعتمادا على التاريخ و ما حصل يمكننا ان نقول ان مصيره سيكون الفشل في هذا الاتجاه، والاخطر انه لا يعلم به، و سوف يضر بنفسه اكثر من الاخرين المنافسين له في دولتهو يضرب ما عمل من اجله عقدا كاملا او اكثر في لحظة زمن. و بهذا نراه يعيش في القلق السياسي الدائم الذي اثر على شخصيته و موقعه و ثقله الشخصي, وبالتالي اثر به على موقع بلده, و عليه ان تركيا اليوم تعيش في حالة قلق دائم كما هو رئيسها و تنتظر ما لا يمكن ان تعتقده مستقبلا من التغييرات الكبيرة التي يمكن ان تودي بها و به جراء التهور الذي لم يقدم عليها غير الدكتاتور العراقي ابان احتلاله الكويت. و هل نجد رئيسا اخرا يلقى المصير ذاته و بطريقة مغايرة قريبا . فلننتظر.