عماد علي: هل تمنع تركيا البارزاني من اجراء الاستفتاء في كوردستان؟
يبدو ان الازمات الخانقة التي تفحلت في كوردستان نتيجة تراكمات الافرازات الناتجة من الاخطاء الكبيرة التي جاءت نتيجة الصراعات السياسية و عدم ملائمة العقليات التي تدير السلطة التي يسيطر على زمام الامور فيها البارزاني وحزبه و المتحالفين معه، لقد دعمت تركيا البارزاني في حدود مصلحته الخاصة فقط و من زاوية ما تفرضه المعادلات الجديدة في المنطقة و ما تشهده من التغييرات الجذرية منذ عقدين و نيف و سارت معه على ما اجبرت من اختيار اهون الشرين في التعامل مع ما يهم الكورد كما تعتقد.
ان ما تعطیه تركیا لبارزانی قلیل جدا مقارنة لما تاخذه منه على حساب الشعب الكوردستاني من الناحية الاقتصادية و السياسية. و على الرغم من تعامل تركيا مع ما حدث خلال السنين الاخيرة و التي يمكن ان تؤاخذ عليها على ما اتخذت من موقف ازاء حليفها البارزاني ابان اقتراب داعش من عاصمة اقليم كوردستان بعد اجتياحه العراق. و عليه يمكن ان يكون البارزاني يحمل في قرارة نفسه الكثير عما واجهته في حينه و لم يشعر بان من يتعاون معه ليس بالمستوى الوثوق به، و انه ليس بمكان الثقة التي اولاها له بنسبة ولو قليلة جدا. و عليه لا يمكن ان يدع كل ما يملك في حوزته في ايدي تركيا بشكل مطلق بعد ذلك من جانب، و انه امام موقف صعب لا يمكنه الا ان ينقذ نفسه بحركة بهلوانية ربما هي الوحيدة التي يمكن ان تكون مواكبة لمصلحة الكورد للمرة الاولى، وان اُجبر عليها نتيجة ما نتجته المعادلات المتغيرة في الاقليم و ما تعامل به هو و حزبه خلال هذه المرحلة. وبعد ان ادعى البارزاني بانه لا يمكن ان يخضع لاي ضغط من اي احد كان في هذا المسار الذي قرر الخوض فيه، فانه يواجه اليوم اعتراضا و ممانعة من حليفه الاقرب بعد ان تاكدت تركيا بان البارزاني يريد ان تكون خطوته التالية في اتجاه يمكن ان تكون في غير صالحها و عابرة للخطوط الحمر التي ترسمها امامه، و عليه يمكن ان تتصرف وفق ما تفرضه استراتيجيتها و انها على اعتقاد بان البارزاني هو من يمكن ان يخضع لها، نتيجة ما له من المصالح في الابقاء على علاقاته معها من جهة و في المقابل ليس لتركيا ايضا مساحة واسعة جدا في البقاءعلى ما هي عليه مع البارزاني لما تتعرض له هي ايضا من الازمات الداخلية التي لا تحسد عليها ايضا من جهة اخرى.
اذن ليس امام الطرفين الا خط رفيع لمناقشته في دعوة البارزاني اخيرا الى تركيا بعد اعلان موعد الاستفتاء من اجل التفهم من موقفه و ما ينويه حقا في هذه العملية، اما يختار البارزاني المسار من اجل السير فيما يعتقد بانه ينقذه من الموقف الصعب الذي فيه داخليا، و يمكن ان يُقنع تركيا بانه لن يقدم على العملية من اجل الهدف بذاته كما هو؛ و هو الاستقلال، و انما يمكن ان يتخذه كورقة في سياساته مع المركز العراقي . الا ان تركيا في الوقت الحالي يمكن ان تستفيد فيما اخطات به من قبل في التعامل مع الواقع الذي غيره سقوط السلطة العراقية، و يمكن ان يجبر البارزاني على التراجع ضاغطة بكل السبل. اما البارزاين فليس امامه خيارات كثيرة و افضلها مر عليه.
من المعلوم ان اهم ما يشغل تركيا هو وضع العراقيل امام الكورد بشكل عام في تحقيق اهدافهم الاسترايتجية من جهة، ومن جهة اخرى تريد ان تدفع بالمعادلات الى ان تعود القضية الكوردية الى موقع يمكنها ان تضع عراقيل امام عجلة التغييرات التي ساهمت في حدوث النقلة النوعية في اتجاه مسيرة الكورد في كوردستان الغربية و تاثيراتها على كوردستان الشمالية، و تعتقد تركيا بانه ليس من صالحها اجراء الاستفتاء مهما كان الهدف في النهاية. تركيا حاولت بطرق عدة و من خلال الضغوطات المختلفة من تحقيق هدفها من خلال وضع الحواجز امام تقدمهم في كوردستان الجنوبية من خلال اشعال افتنة في التسعينات الا انها فشلت في الكثير من الجوانب في هذا الطريق ايضا. وعليه نراها و هي تغيّر يوميا في تكتيكاتها و ووجهتها السياسية التي اثرت على علاقاتها و حتى الاستراتيجية مع البلدان التي اعتبرتها صديقة لها ومثرة على نفسها ايضا في الامور الكثيرة، ليس هنا المجال لطرحها . كما لم تقدر على منع الكورد في كوردستان الشمالية من التراجع ولو خطوة واحدة في نضالهم و هو الهدف الذي تعمل عليه تركيا قبل اي شيء اخر.
ان كان هدف امريكا التغيير في الخارطة التي رسمت منذ قرن، فانها ربما تركز على اهمها موقعا و استراتيجية من جوانب كثيرة ربما لم يعد البارزاني الشخصية و الموقع الااكثر اهمية لها من الاخرين، و عليه يمكن ان لا تفرض امريكا اي ضغوط على تركيا ان حاولت العمل على صنع العراقيل امام البارزاني، لانهاهي اعلنت عن موقفها التي لم يكن مختلفا كثيرا عنها اكثر و ان كان ليونة عن تركيا.
فان البارزاني اليوم حائر بين انقاذ نفسه و تثبيت اقدامه اكثر من خلال اجراء الاستفتاء و ما يلاقيه من الممانعة الكثيرة من قبل الكثيرين و منهم تركيا، و عليه يمكن ان يقنع تركيا على انه يمكن ان يجري الاستفتاء دون الاخذ بنتائجه، و من اجل اعلاء نفسه و موقعه في الصراع الداخلي، او ما تفرضه مصالح تركيا من منعه حتى في اجراء الاستفتاء في اساسه تخوفا من فرض الامر الواقع عليها في النهاية كما حدث ازاء اقليم كوردستان و الدفرالية التي عارضتها بداية . فهل يقنع البارزاني تركيا بان الاستفتاء من اجل الاستفتاء فقط، ام تعتقد تركيا بان الاستفتاء خطوة اخرى في الطريق نحو الاستقلال و يمكن ان يُفرض في النهاية. على الرغم من ان تركيا لا تعارض البارزاني ان كان هو المسيطر الكامل على زمام الامورفي اقليم كوردستان نتيجة ما تعتقد بانه السهل اكثر من غيره لاتخاذ المواقف و فرضها عليه و التي تقع لصالحها . هل يمكن ان تعتبر تركيا ان البارزاني شريك يمكن ان يوثق به من خلال اجراء الاستفتاء و عدم السير عليه نحو نهاية الخط، ام تمنعه اصلا من اجراء العملية. و هل يغامرالبارزاني على هذا و يمكن ان يراهن على انه يمكن ان يراوغ و ينفذ ما وعد به داخليا نتيجة انغلاق الافق القريب و البعيد امام طريقه السياسي.
و يبدو ان البارزاني لم يتخذ راي تركيا في الامر قبل الاقدام على ما يريد من الاستفتاء، و ادى هذا الى زعزعة الثقة بينهما كثيرا، و بهذا يمكن ان يقامر البارزاني و ينفذ ما يهدف على الرغم من محاولته لاقناع تركيا في انه لن يتوجه الى اعلان الاستقلال مهما حصل، و عليه فهو الحائر الذي يعيش في مرحلة صعبة جدا و هو على ضفاف النهر الهائج اما يقع فيه او ينقذ نفسه سباحة او يمكن ان ينقذه احد بسفينة النجاة، او يغرق الى الابد و يضر بما عمل التجربة الكوردستانية بشكل كبير جدا. و كان بالامكان ان يتخذ هذه الخطوة لو كانت عقليته على ما يدعيه اليوم استراتيجية التفكير و انه كان يامكانه ان يمهد الساحة قبل هذه الخطوة داخليا كي يكون على ارض صلبة موحدة المواقف و الاراء و الجهات متعاونة معه، الا انه لم يتجه الى هذا و لم يرسخ الطريق نتيجة العقلية الضيقة له ولحزبه في ادارة الاقليم منذ اعتلائهم السلطة و ممارستهم لها بالحديد و النار .
اننا نعتقد بان زيارة البارزاني المزمع ان يقوم به البارزاني الى تركيا سوف تكون حاسمة في امر الاستفتاء، لان لدى تركيا الاوراق التي يمكن ان تدعه ان يتراجع اكثر من ان يقدم البارزاني على المغامرة، او ربما تكون هناك خطوات غير عقلانية تدع العملية علينا و على اعدائنا و ستكون في النهاية علينا فقط. و ربما ستكون الخطوة مصيرية لبرزاني مهما كانت النتائج و لا يمكن لتركيا و غيرها ان تمنع البارزاني على الخطوة، و لكن النتائج لا تكون مضمونة.