عماد علي: على العبادي ان يفكر عراقيا عصريا.
لقد اجريت عملية الاستفتاء و ادلى الكوردستانيين بصوتهم لاستقلال كوردستان بنسبة ساحقة، و هذا اصبح واقعا و لابد ان يضعه الجميع امام الاعين و ينطلقوا من وراء اجراء العملية و الحدث كي يساهموا في ايجاد الحلول المناسبة لكافة المشاكل و القضايا المتعلقة بالشعب العراقي ان كان الهدف هو اسعاد العراقيين قبل الكوردستانيين و عدم عودة الخيبة و الخسران و استدامة الخسائر التي تكبدها الشعب العراقي بجميع مكوناته طوال عقود منصرمة .
انها مرحلة لا يمكن ان تعيد ما سبقتها، انها يوم اخر و ليس هناك ما يفيد التعنت و العناد في التعامل مع ماحدث، و الامر المفروض النظر اليه هو؛ ماهو الطريق الاصح من اجل سلكه لتجنب الويلات و تكرار المآسي جراء ما حصل من تعامل المركز مع كوردستان دوما بعقلية الواقع و بالقوة التي جعلت دائما السلطة العراقية تنظر الى الكورد باستعلاء و لم تعتبر من التاريخ .
لقد مرة عصر الدكتاتورية و هناك معادلات اقليمية تفرض ان يفكر العبادي بجدية و دقة متناهية كي لا يقع ضحية لتحركات مشبوهة من اجل ضمان مصالح الجوار، و انيقرا بدقة متناهية كل خطوة كي لا يجر البلاد الى حافة الخذلان و ان لا يقع في الاحتكاكات الدموية التي يمكن ان تؤدي به كما ادت الى دخول داعش الى الموصل بعد فشل و عدم معرفة الحسابات من قبل سلفه المالكي و لازال يغني لحد اليو م على ليلاه، على الرغم من انعدام الفرصة امامه للعودة . لقد فرض العبادي اسلوبه و توجهاته المختلفة و المتاثرة بطبيعته و ثقافته، و عليه ان يدوم في تحديد المسار الصعب فيما بعد الاستفتاء الكوردستاني كي يخرج من عنق الزجاجة بسلام و يتفوق على منافسه المالكي و ان ين ينجح من تخطي احتمال نشوب حرب خاسرة من بدايتها و لم يستفد منها الا المالكي الذي يريد ان يعود باي ثمن كان .
هذا داخليا، اما دول الجوار، فلكل منهم اهدافه البعيدة و القصيرة المدى و لم يخسروا اي شيء بادخال العراق في نفق مظلم من الحروب الداخلية و الخلافات المستديمة التي تفتح فجوات كبيرة في كيان العراق المشتت و يمكنهم من فرض سطوتهم و نفوذهم لمدة اطول . فتركيا و هي التي بقت صامتة و تابعت الحرب العراقية الايرانية طوال ثمان سنوات و استفادت منها كما هي دول الغرب من النواحي السياسية الاقتصادية, و حارب العراق غريمها التاريخي ايران نيابة عنها، كما كان يفعله العراق من اجل ضمان مصالح الدول العربية و الغربية ايضا, و اصبح حارسا للابواب الشرقية لهم كما اعلنوا مرارا، و في النهاية فعلوا ما فعلوه و لم يوفوا بما كان المفروض ان يعملوه و خذلوا الدكتاتور و اجبروه على الاقدام على حماقته و راينا نتائج سلوكه و ما حصل .
اليوم و بعد التغيير، فاننا دخلنا مرحلة جديدة و كان من الواجب ان ندخل في عصر التراضي و احقاق الحقوق المهدورة بسلام و امان، من اجل عدم الافراط بالفرصة التي سنحت من اجل تثبيت القيم العصرية الجديدة من تجسيد المواطنة و المساواة و الحرية و اليموقراطية و حق المكونات و التآخي و بناء دولة المواطنة و العصرية في التعامل مع الواقع و ما تتطلبه المرحلة و ما فرضته العولمة، الا ان الواقع تغير نحو شيء لم يكن الا تراجعا حتى عما كان ابان مرحلة الدكتاتورية من كافة النواحي، فبدلا من اقرار حق مكونات و التقارب و التعاون بين الجميع, فرض البغض و الكراهية و الخلافات الدينية و المذهبية و العرقية نفسها على الجميع و كان من الواجب على السلطة و من تراسها ان تفعل ما كان بامكانها ان تفعله و لم تفعل و بقت ساكنة دون حراك الى ان تدهور الوضع و اصبحت الخلافات العرقية و المذهبية سيد الموقف منذ العقد و النيف، ليس فقط هذا، بل تراجعت القيم التي كانت سائدة على عقلية العراقيين و قاوموا بها ما حاولته الدكتاتورية من مسحها، و كان بالامكان ان تبرز من جديد من اجل تجسيد الامن و الاستقرار السياسي الاقتصادي الاجتماعي، الا ان التغيير الذي حصل و في غفلة من الزمن اصبحت الانعطافة السياسية امرا محتوما و قد اودى ما بعدها بكل السمات الانسانية العفوية التي كان العراقيين يتنعمون بها، على الرغ من من العداء الدائم من قبل السلطات المتتالية للكورد و ثورته و عدم اللجوء الى الحلول الجذرية لقضيته كما هو حال دول الجوار التي يتواجد فيها الكورد ايضا حتى اليوم .
لو تكلمنا بلغة الحقوق و الواجبات و ما تفرضه الاهداف و الامنيات و الاحلام لدى كل مكون و مجموعة اوحتى فرد من العراقين، نقول لابد للشخص الاول المتنفذ ان لا يلتفت الى ما تتاثر به مصلحته و ما تتطلبه مهامه الحزبية او ما يفرضه الصراع الحزبي و المنافسة الشخصية و المزايدات المطلوبة لاقتناص الاصوات لما تفرضه الديموقراطية العبثية التي يتحلى بها العراق، و استنادا على المستوى الثقافي العام و ما يسير عليه الشعب العراقي من خلفياتهم المختلفة و ما تفرضع عصارة العقل العام على سلوكهم و فكرهم و نظرتهم الى القضايا و المواضيع و كيف يتخذون الطريق المناسب لاتخاذ المواقف و التعامل مع القضايا المصيرية .
اننا نعيش في عصر لابد ان تنحنى لغة الحرب و السلاح كما كنا نسير عليه حتى الامس، و ان يتمعن القائد المتنفذ جيدا في تاريخ المكونات و الحقوق التي يجب ان يتنعموا بها و يتخذوا الخطوات التي توفر لهم ما يمكنهم من اقرار حقوقهم دون اراقة قطرة دم .
انني اتوسم من السيد العبادي ان لا يكون قائدا مسلكيا كما كان من سبقه او من سيروا امور البلد بعقليات محلية ضيقة الافق لم تخرج من قوقع و سمات العقلية الداخلية القديمة. انني اعتقد بان العبادي لو ابتعد عن مؤثرات من ينافسوه سيكون قائدا عصريا محنكا على الرغم من التزاماته العقيدية الدينية و ما تربى عليه حزبيا و ليس عائليا فقط، و لابد ان يخرج من طوق الصراعات الحزبية ذات المسار الواحد و ان يفكر مليا فيما يمكنه ان يبرز كقائد استثنائي خارج اطار الوضع الاجتماعي العام الذي لم يدع القادة ان يبدعوا في تسيير امور البلد، و ان يفكر مليا بمفرده بعيدا عن المؤثرات الخارجية و ما تفرضه المصالح المختلفة لدول الجوار، او ان يحاول ان يفلت منها بكل السبل المتاحة امامه, و الطريق الواسع المتوفر هو الاستناد على امنيات الجميع من المكونات التي تهدف و تطمح تحقيق مرامهم التاريخي، و ان لا يدع ان تسكب قطرة دم من اجل حتى العراق باكمله، لان الانسان اولا و الوطن من اجل الانسان وراحته و حياته و رفاهه وليس العكس .
اليوم نحن امام اعقد قضية تاريخية لشعب ضحى بكل ما لديه طوال تاريخه و هو يعيش على جغرافيا خاصة به و لم يعتد على احد بل غُدر به كثيرا، و له وضع خاص لا مثيل له في العالم، و انه لم يحقق اهدافه و امنيات ابناءه نتيجة الظلم و الغدر الذي الحق به. و عليه يجب ان لا يفكر العبادي من زاوية ضيقة خاصة و كما فعل من سبقه، و ان يسجل لنفسه فخرا تاريخيا من تاسيس بداية صحيحة لامر سار خطءا منذ قرن او اكثرن و هي قصية التي تشعب منها الكثير و تاثر منها الجميع و خسر منها العديد و بالاخص شعوب العراق عربا و كوردا، و عليه ان يفكر مليا و يتخذ قرارات سليمة يمكن ان تفتح الابواب الصحيحة من اجل الحلول الجذرية و ليس الترقيعات التي سارت عليه الحكومات السابقة منذ عصور . و اننا على علم بان الخطوات المطلوبة تتطلب تضحيات على الصعيد الشخصي و التعالي من اجل النجاح على حساب الطموحات الخاصة الا ان العصر و ما يتميز به يوفر له الفرصة السانحة لايجاد الحلول على شرط ان يفكر و يتصرف و يواجه المعوقات بعقلية عصرية تقدمية متخذا الحق و الحقيقة سلاحا لتوجهاته وصواب خطواته و تحركاته دون ان يسمع من الازيز و الاصوات الشاذة في طريقه .