عماد علي: هل عملية الاستفتاء هي التي فتحت ابواب ضغوطات بغداد على كوردستان؟
لا اريد هنا ان اسرد الخلافات التي ادت الى سد كافة الطرق امام المباحثات المصيرية بين اقليم كوردستان و الحكومة العراقية و الفشل الدائم فيها دون الاعلان عنه في كل لقاء، و لم يتمعن احد الى مدى تاثير عدم تمرير القوانين المهمة الخاصة بالشعوب العراقية و بالاخص الكورد، و ما ادى التلاعب و التماطل و التملص من السير على طريق الحل الجذري للخلافات و الماشكل المتراكمة بين الطرفين في جو انعدم فيه الصفاء و التصالح الدائم، نتيجة العقلية السائدة على ادارة العراق منذ تاسيسه بالشكل غير الطبيعي المعلوم، و عدم تلائم قيادة الثورات الكوردستانية الحاكمة و ضعف امكانياتهم السياسية للسير و التقرب من الحل مع هكذا حكم و سلطة موجودة في بغداد التي تتصرف دائما بانفة و ترفع و غرور مع الكورد و تتنازل دائما عن كل شيء للجوار و العالم اجمع في كافة المراحل.
غرور السلطة في بغداد و اقليم كوردستان على حد سواء، مع عدم قراءة المرحلة و ما يجري في المنطقة بشكل عام، و المصالح الكبيرة للقوى الكبرى التي تحرك المسيرة السياسية و ما وصلت اليه المنطقة، و ما يجري وفق متطلبات العصر دون الرجوع الى المعسكرات السابقة التي لازالت مستقرة في عقول قادة الشرق و منهم الكورد على غير ماهو موجود في الدول صاحبة الشان بانفسهم، مع عدم الاتعاض من سلوك و توجهات القوى الكبرى في هذه المرحلة بالذات، ادى كل هذا الى الوقوع في اخطاء و تجاذبات و مشاكل كبرى لم يكن بعض من الاطراف يراه كما هو؛ سواء نتيجة عدم تفهمه لما يجري؛او سذاجته السياسية؛ او قلة خبرته و ممارساته في ادارة ولو كيان صغير. انهم وصلوا المنطقة كم اجل انفسهم و بشكل جديد و بنفس اهداف الاستعمار القديم، و اننا هنا لم نكن اصحاب معرفة، بالاخص في شؤون العلاقات العامة للشعوب كما هي الموجودة في الكيان العراقي و التي فرضت عليها الدولة العراقية قسرا و التي وصلت الى الحضيض. اضافة الى العقول و التوجهات و الافكار التي تتمسك بها السلطة العراقية الجديدة بمواصفاتها المتخلفة و قادتها التابعين اساسا و ما يتصفون بها تختلف كثيرا عما كانت سائدة من قبل، و يعتبر ما حدث اكبر تراجع حتى على ماكانت موجودة اصلا.
لا يهم تلك البلدان التي تسيّر امورها على مدى الاعتماد على النفعية من تحركاتها، لا يهم ما يهم المغلوب على امره في مسيرته و سياسته و تاريخه. انهم نادوا، و سايسوا و لم يمنعوا حدوث الاخطاء و ربما دفعوا سريا الى ما يعجل فيما يضر الشعوب بشكل يقع لمصلحتهم البعيدة المدى، كما نعتقد لما اداروا العملية الطويلة المدى لما سارت عليه المنطقة قبل عملية الاستفتاء، و عدم جديتهم في توضيح الامور امام المتعنتين، و تماطلهم بما يمكن ان يؤدبوا بها من خرج قليلا عن مشورتهم او اوامرهم، يوضح لدينا مدى لؤمهم.
المنطقة ستبقى على ما هي عليه او تتجه نحو الاسوا حسب كل المعطيات، تركزت الصراعات الكبرى في هذه البقعة، سواء قصدا من قبل هؤلاء او نتيجة ما تتجمع هنا من العوامل لامكانهم في ادامة ما يهمهم و يستفيدون منه طويلا بسهولة؛ القادة المراهقين في السياسة و يحكمون بلدان لها اهميتها للعالم، القادة السذج الذي لا يعلم ما يجري و يخطوا وفق ما يراه عينيه بشكل قصير الامد جدا، القادة الدكتاتوريين الذي لا يهتمون الا لادامة سلطتهم باي ثمن كان، و الشعب هو الذي يدفع الثمن في كل هذا باستمرار.
هذا بشكل عام، اما ما وصلت حال كوردستان اليه، فانهم القادة هم و عدم تلائمهم فكرا و عقلا اوصلنا الى ما نحن فيه الان مع ما يجري في هذه المرحلة، لانهم يسيرون على ارضية الثورات السابقة فقط والتي تمسكوا بزمام الامور فيها على الرغم من فشلهم الدائم، دون ان يتعلموا خفايا ادارة الكيان المستقل خلال هذه العقود.
و عليه، فان النوايا لخراب المنطقة موجودة، و القادة بعلمهم او دون ذلك؛ و كانهم عبقري الزمن يتصرفون بما يضعون البيضة في سلة الاعداء، اونتيجة تحايل القوى الكبرى بما لديهم من الامكانية و العقليات، او مايحمل هؤلاء قادتنا السذج من عقائد نفدت مدة صلاحياتها و وفر هذا المساحة كي يتلاعب كل من هب و دب بامورنا و بما يقتضي في نهاية الامر ما يقع لصالحهم فقط، ادى هذا الى التراجع و تضررت الشعوب الموجودة بمختلف اعراقهم و مشاربهم، اي باجمعهم و كل بنسبة خاصة من المسيرة الخاطئة. فان المنطقة لم تشهد خلال هذه المدة التي يمكن ان نعتبرها طويلة بروز قائد كبير ملائم مخلص عالم بخفايا الامور و مبصر لكل ما يجري و له القدرة على استشراف او استدلال ما يحدث ولو قليلا، و لم تشهد المرحلة اية حركة سياسية مقتدرة على التاثير على الراي العام و توجيه المسيرة بعيدا عن المخططات الجهنمية للاعداء، فان الشعوب دفعت و ستدفع لمدة اطول ضرائب هذه العقليات و ما يجري نتيجة عمل ايديهم .
الاستفتاء كانت مفتاح لبروز كل ما كان كامنا من الاساس في عقول القادة من الجانبين، و لم نجد من لا يتصرف وفق موقعه المرحلي، فان الاوراق هي التي تحرك هذه القوى دون اي نظر الى المصلحة العامة، المكانة التي توجد فيها هذه القادة هي التي تدفعهم الى السلوك و التعامل مع كافة القضايا و ان كانت تمس ما يعتبرونه من شعوبهم الخاصة بهم، و يسلكون استنادا على ما يؤمنون به مدفوعا من ايمانهم بدائة ضيقة و هي عروقهم و طوائفهم و حتى مجموعاتهم الخاصة من الحلقات الضيقة التي يعتمدون عليها لتسيير امورهم السياسية. و عليه ما يجري لما بعد الاستفتاء كان من المتوقع ان يحصل لو سنحت فرصة بعيدا عن الاستفتاء نفسها، بعد الانتهاء من داعش، و ان كانت بشكل ابطا او يمكن ان نتوقع بجرعات، من الضغوطات التي يمكن ان يكسب بها القائد الذي يتزعم بعقلية الراعي البدوي و بادعاءات واهية من الناحية الثقافية او الفكرية او الفلسفية في بغداد قبل اربيل.
فان كان القائد محبا لشعبه او الانسانية لا يمكنه ان يستغل خطا الاخر المقابل ان كان يعتبره خطا، من اجل تمرير اهداف كان يضمرها منذ مدة طويلة بناءا على توجهاته و عقليته، و كان من المفروض ان يتعامل مع المستجدات وفق ما يهم الشعوب، و هذا لم نلمسه عند العبادي و البرزاني على حد سواء. و عليه لم تكن عملية الاستفتاء انعطافة لفتح ابواب الخلافات الكبيرة بقدر ما هي عملية او نتيجة لما ترمكت من افرزات ما لم يحل من قبل و هي الانعطافة التي فسحت المجال امام بغداد لما كان يكنه امام الكورد. و الحل موجود في وحدة الشعب الكوردي قبل ان يعتمدوا على تغيير العقلية العراقية التي لم تتغير منذ قرن تقريبا مهما تغيرت الوجوده و ما يحملون.