عماد علي: الكورد و اسرائيل و تلفيقات العنصريين العرب.
هنا اقصد بالعنصريين العرب من القوميين و الاسلامويين على حد سواء مقابل الشعب الكوردي بشكل عام و ليس سلطته او قياداته فقط. ذنب الكورد في بيان سبب اتهماهم بكثير من التلفيقات فيما تخص ادعاءات علاقاته مع اسرائيل. انهم شعب مغلوب على امرهم فقط يريدون تحقيق طموحاتهم اهدافهم و امنياتهم التي ليست على حساب احد او ضد اي كيان او قومية او امة اخرى، فقط انها امة فاقدة لحقوقها التاريخية التي اخفقت بنفسها في نيلها او لاسباب موضوعية و ذاتي منعتها من تحقيقها.
كل الدول بما تحوي من الاعراق و المكونات المختلفة او مكونات تتمتع بحريتها في اختيار ما يهمها في مسيرتها السياسية الاقتصادية الاجتماعية و الثقافية، و كل منها تجهد لنيل كل ما تصبو اليه من كافة الجوانب و بالاخص الحقوق الاساسية لشعوبها من منطلق انسانيتهم على الاقل، و تستخدم كل ما لديها من ان تنتفع من امكانياتها لتحقيق السعادة ولو نسبية لشعوبها. لا يمكن ان يستند اي مكون على ما ينظر و يفكر به غيره ليرسم سياساته المختلفة وفقه، و انما الاكثرية وبالاخص القوية منهم في هذا العالم المتناقض تدفع لتحقيق ما يهمها على حساب الاخر الضعيف، و الانتفاعية هي الاساس التي يعتمدون في كل مراحلهم. الا انه المعلوم في هذه المنطقة بالذات، ان الامم الخاضعة و المنطوبة و المستغَلة و التي تعيش تحت سطوة الاخر لا تتمتع بحرية الاختيار في اي جانب من حياتها. من المتناقضات في هذا الجانب اي ما يخض موضوعنا. نرى ان الدول العربية بذاتها او الاكثرية منهم على الاقل، ان كانت بسرية او علنية تتمتع بعلاقات واسعة مع اسرائيل، و منها ترفرف اعلامها في عواصمهم عدا المكاتب و المؤسسات المشتركة و النوادي السرية التي تقوم مقام السفارات و القتصليات، عدا التبادل التجاري و الاقتصادي المعتمد بينهم، و لم نر يوما من يلومهم على العلن بل اكثريتهم تتلهف لبناء ما يدفع بهم الى الامام، الا ان الكورد و ان تكلم احد من بعيد على ان اسرائيل سوف تدعم بناء الكيان الكوردي لهم، او بتصريح مصلحي سياسي اسرائيلي من جانب واحد ازاء القضية الكوردية، نرى تاجيجا و تهريجا و حتى سبا و شتما ضد الكورد من قبل من يتعلق بالقضية الفلسطينية و يتبجح و يتحجج فقط لغرض سياسي في غير محله، انهم يتقدمون خطوات نحو اورشليم و حيفا و تل ابيب سرا و يلعنون اسرائيل علنا، يتغدون في المكة و الدوحة و القاهرة و عمان و يتعشون في اورشليم و حيفا في اليوم ذاته.
انهم ينتقدون الكورد بصوت عال بينما هم ينسون او يتناسون اقرب حادث ما بدر من ايدي اسرائيل ضد الكورد و هو المساعدة على تسليم القائد الكوردي البارز عبدالله اوجلان لتركيا التي تتشدق وتعلن وقوفها ضد اسرائيل و تريد كسب عطف المجموعة العربية من خلال المضادات السطحية فقط لاسرائيل دون اية خطوة تكون ضد مصالح اسرائيل في المنطقة من جهة، بينما ترفرف علم اسرائيل فوق كل بيت تركي من جهة اخرى . و المشلكة ان القوميين و الاسلامويين العرب لم ينبسوا ببنت شفة ازاء تلك السياسات التضليلية و يدعمون ما يؤدي الى تلفيق ادعاءات كاذبة لما هو ضد تحقيق طموحات الكورد من اجل ارضاء تركيا، و انهم يتناسون بان السلطة التركية الوريثة للحكم العثماني لازالت على علاقة علنية مصلحية مع اسرائيل و انهما تتعاملان مع البعض وفق المصالح المشتركة كدولتين دون اي اهتمام بطموحات و مصالح اي مكون او دولة اخرى و ليس الكورد اوالامازيغ او اي شعب يعاني من الاحتلال. طالما نرى السياسات بشكل واضح و امام الاعين فاننا نخدع انفسنا بادعاءات التيارين القومي و الاسلاموي فيما يخص الكورد و اسرائيل و الجميع على دراية بما يمران به اي التياران القومي العربي و الاسلاموي من التخبط و ما وصلا اليه في هذه المرحلة و هما في اضعف احوالهما. و ان قلنا ما يدعيه البعض من علاقة الكورد التاريخية مع اسرائيل و التي لم تفدهم بشيء ولو قليلا، لا بل على العكس انهم تضرروا من بعض الدعايات في هذا الشان. و على الافتراض ان تكن هذه التلفيقات التي يدعيها هذان التياران صحيحا، فهل يمكن ان يطلب من الغريق ان لا يتشبث بقشة لمنع غرقه، فالكور يقدمون تضحيات كبيرة جدا لنيل حقوقهم البسيطة، فان كانت العلاقة مع اسرائيل تحقق ولو نسبة قليلة من حقوقهم التاريخية و ان كان من باب ادعائاتهما، فلما يلوموننا هؤلاء، و نحن ضحية ايديهم طوال التاريخ . كان من المفروض عليهما (هذين التيارين المتلاقحين) و من باب ما يدعانه بذاتهما ازاء حقوق الشعوب، كان عليهما ان يطالبا تحقيق مصير الكورد قبل الاخرين، ومع ذلك على العكس انهم ينعتون خطواته و ينتقدون ربما حتى بعض تكتيكاته في هذا الاطار. لماذا لا يذكرون التضامن و التعاون و التواصل الكوردي مع الحركة التحررية الفلسطينية طوال مراحل نضالها، و من قبل جميع الفئات و اصحاب الافكار اليسارية واليمينية من الكورد، على الرغم من مدى تضرره من جوانب اخرى من هذا التقارب. انهم ينسون ما تسير عليه اسرائيل و هو صراع الدول في المنطقة و هي تعتمد على المعادلات التي تتمكن بواسطتها ان تكسب الدول و ليس الكورد ككيان قومي يفتقد للدولة التي هي اساس كل العلاقات بين الشعوب لحد الان و للمستقبل البعيد جدا ايضا. فلا يمكن ان تتحرك اسرائيل على المسار التي يمكن ان تضرها في هذا الشان ويمكن ان تميل الى الكورد على العكس من المفروض، الا اذا كانت هذه الحركات المرحلية النفعية من خلال تصريحات و كلام لا فعل او دعم مباشر من اجل لفت نظر هذا و ذاك.
ربما من جانب سياسي مرحلي بحت فقط يمكن ان يقع بناء كيان او دولة جديدة تشغل المنطقة و لمدة قصيرة و لفترة مؤقتة لصالح اسرائيل في جوانب عديدة، و منها انبثاق توجهات مختلفة عديدة يمكن ان تدخل في صالح اسرائيل و تخفف عنها المضايقات و الضغوطات او توفر لها الطريق للمصالحة مع الكثيرين من خلال تشتت القوى المضادة لها و اللعب على المستجدات بعد بناء الكيان الكوردي، الا انها تعلم الخير في ان كانت لم تضح بالاستراتيجية من اجل تكتيك او عمل غير مضمون المستقبل.
ان الدول الريعية النفطية ربما هي الاكثر الدول المنتفعة من اتخاذ اسرائيل شماعة لمصالح تدخل في سياساتها الداخلية و في المنطقة، و هي تلعب اكثر من غيرها على وتر اسرائيل علنا بشكل مناقض تمام مع ما تفعل سرا. انهم يتلهفون بترضية اسرائيل نتيجة الصراعات الكبيرة بينهم استنادا على ايديولوجيات قصيرة الافق و اعتمادا على الافكار و العقائد و بالاخص الدينية المذهبية التي تصب في منفعة اسرائيل اكثر من اللعب على وتر مصالح الكورد الذي يتشبث به القوميين و الاسلامويين عند شعورهم بضعف موقفهم و تهاوي ادعائاتهم المضللة المزيفة.
لو كانت اسرائيل جدية و تفكر في بناء كيان اخر غير الموجود، لاثبتت عمليا بما ترددت في الاعلام من تقديم العون الى الكورد في انجاح عملية الاستفتاء التي اجروها اخيرا بكل ما يملكون من الامكانية و دفعوا مجموعات الضغط لديهم عند الولايات المتحددة لدعمها، الا اننا شاهدنا موقفهم المخزي و طرح كلمات و تصاريح لبناء عراقيل امام عمليتهم. انهم درسوا العملية بما يفيدهم و تواصلوا في ادعائاتهم البراغماتية الفوضوية غير الصادقة المضللة من اجل مصالح مرحلية ذاتية من جهة، و انهم لا يريدون من الجانب الاستراتيجي ان يبنى كيان اخر في المنطقة و من غير الموجود اصلا ينافسهم في كسب دعم امريكا باعتبارهم الابن المدلل من جهة اخرى، و به يمكن ان يقلل هذا نسبة ما يدعم و يثبت كيانهم و تطاولاتهم على المنطقة بشكل دائم من قبل امريكا، و اخيرا ببقائهم وحيدا لما يفيد امريكا تمكنوا من نزع موقف نقل السفارة الى القدس بناءا على وحدانيتهم التي تعتمده امريكا في بقاء سطوتها في المنطقة، و من اجل عدم استقدام قوة اخرى غيرها يمكن ان تنافسها في هذا الامر، اي المصلحة تقع الى جانبهما ان تكون اسرائيل وحيدة و امريكا تستند عليها و تكون وحيدة لمنعها من التحرك باتجاه معاكس او يمكن ان يتنافس كيان اخر اسرائيل و يتوجه بعكس ما يهم امريكا ايضا. هذا ما لا يمكن ان تبقى هذه المعادلة على حالها مدى الدهر، و بالاخص بعدما تنهي اسرائيل تحقيق اهدافها متوسطة المدى و هي بذاتها تحتاج لكيان اخر و كذلك لامريكا و تحتاج امريكا لهما ايضا، و خصوصا بعد ان برزت روسيا بسرعة و هي تريد ان تضغط لتكون قوة تسيطر على منطقة نفوذ امريكا لاول مرة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. و امريكا تعتمد الان على الاناركية و فرض قدرتها في تحقيق نواياها من اجل بقائها من خلال صنع قرارات تفيد تحقيق استراتيجيتها، و الاهم ما يهمها هي ان تبقى منافسة في فرض نفوذها و ان كانت لا تريد ان تبعد الاخرين، و لكن بشرط عدم تقرب اي منهم الى منطقة و مستوى نفوذها الثابتة و هي اوربا الغربية و منطقتها المنقطعة التنافس اي بين المحيطين من امريكا الشمالية و الجنوبية و من ثم اوربا الغربية و فرض جانب من هيبتها على اسيا لاشغال روسيا و الصين دون فرض هيمنتهم و هيبتهم في اقليمهم. هكذا تتحرك اسرائيل و امريكا في هذه المنطقة التي يقع فيها الكورد المغبون و المهضوم الحقوق. و لم يمر يوم و الا تسمع من هذين التيارين القومي و الاسلاموي تهما دون ان يتفهما ما يحصل تسمع منهما عمالة الكورد لاسرائيل!!. و المهم لدى اسرائيل و امريكا و لم ينتبه اليه احد هو ان يبقى الخوف هو المسيطر على هذه المنطقة من اجل عدم تفكير منافسيهم في التدخل في مناطق نفوذ امريكا الآمنة البعيدة عنهم و يبقوا متلاصقين بهذه المنطقة و ينشغلوا بها، و هي التي تبني سياساتها على هذا التوجه، و ليس لمصلحة اي احد اخر و ليس الكورد فقط اية اهمية لديها و لدى اسرائيل.