عماد علي: وجود القائد المرحلي و ليس التاريخي هو مشكلة العراق.
من متابعة ما يجري اليوم و ما مر خلال القرن الماضي كي نقيم ما حكم العراق، و نبين جوهر القادة الذين سواء تسلطوا و احرقوا الاخضر و اليابس ام كانوا معتدلين و لكنهم نجحوا في مهامهم المرحلية فقط و خسروا فرص تثبيت اركان الدولة التقدمية الديموقراطية بهفواتهم او عدم قدرتهم على ادارة الامور في دولة بما تتصف به من التناقضات و الاختلافات المتعددة الاوجه و الخلافات المتجسدة في كيانها و تركيباتها.
ان ما نلاحظه و بشكل جلي دائما هو افتقار العراق الى قائد تاريخي يمكن ان ينقله الى مرحلة متقدمة من مسيرته، انهم جميعا و بلا استثناء و لكن بنسب مختلفة كان كل منهم قادئا لمرحلته سواء ادارها بشكل معقول او مقبول او ماساوي كما هو حال الانظمة الدكتاتورية التي مر بها العراق و اخرها استقرت على خراب البلد من اساسه.
لا يمكن ان نعيد السبب في عدم امتلاك العراق لعقول يمكن ان تدير البلد و تنقله الى مستوى افضل و دون رجعة الى الوراء بشكل مطلق فقط، و انما الاسباب كثيرة موضوعية وذاتية عراقية خالصة، نتيجة لما سار عليه منذ انبثاقه بفضل قوى استعمارية اهدافها ضمان مصالحها على حساب التقدم المنشود من اهل البلد الاصليين لبلدهم. نعم القادة كانوا قليلين ( اصلا العدد الاقل من الذين يمكن تسميتهم بالقائد الحقيقي) و ما يمكن ان نحسب بعض الاسباب هنا؛ كثرة الانقلابات في ازاحة الحكومات و احلال البديل بقوة السلاح دون بروز ارضية لاندلاع ثورة حقيقية بمعنى الكلمة التي يمكن ان تنقل البلد الى مرحلة متقدمة من جهة، و المستوى الثقافي العام الذي لا يمكن ان نعتبرها دافعا للتغيير الشامل في الجوانب الثقافية السياسية الاجتماعية للشعب، و من خلال التغيير يمكن انتظار بروز قائد ملهم بمعناه الاصيل يتمكن من ادارة البلد بحنكة و امكانية غير قليلة لتبقى نتائج عمله طاغية في امكانية تقدم البلد و يمكن وصفه بالقائد التاريخي من جهة اخرى.
اي العراق المعلوم عنه بخصوصيته الثقافية و الاجتماعية لمايتسم به تاريخه و جغرافيته و شعبه بما فيه من التركيبات و المكونات المختلفة الشكل و الجوهر، لا يمكن ان يديره الا عقلية قادرة فوق العادة و خارج مساحة من لا يمكنهم الخروج من المرحلة الانية لحكمهم، اي قائد تاريخي يسلك الطريق بعقلية استراتجية تاريخية بعيدة المدى دون التعلق بما يمكن ان تفرضه عليه متطلبات المرحلة القصيرة الامد، اي قائد يخطو خطوات مستقبلية دون التقيد بسمات ضيقة معيقة للعقلية التي يريده العراق، من اجل اخراجه من مشاكله الطويلة الامد . تاثيرات اصحاب المصالح العديدة الخارجية المؤثرة و الداخلية التابعة، امكانياته الاقتصادية الوفيرة و طمع الجميع به، موقعه الاستراتيجي المثير و الحافز لتدخلات الجميع، عدم بروز الملائم المتفهم و البصير لما يمكن ان ياتي فيما بعد، مع تراكم الخلافات التي تفرز ما يعرقل مسيرته و لم يتمكن من ان يتجاوز كل العقبات التي تصنعها الاختلافات العديدة في بنيانه.
اننا مررنا بمراحل و شهدنا قوادا كثيرة، فمنهم من يستحق الذكر الطيب، و وضع بصماته على مرحلة من مراحل العراق و منهم قد تمكن من تجاوز مرحلة معينة من حكمه ولو قليلا، الا انه في النهاية فشل او لم يدَعوه في السير الى الامام، او لم يتمكن من تجاوز العوائق التي اعادته الى قوقعه و مساره و دائرته الخاصة التي تحكمت على اسلافه. و منهم طمع لما فوق مستواه العقلي و امكانياته و قدراته و اودى بالبلد الى غير رجعة حتى الى المربع الاول في تاريخه. و منهم لم يصل الى مستوى يمكن ان تضع مقدرات البلد تحت سلطته و تفكيره و نظرته الى الحياة، و منهم لم يصل الى معرفة الحكم المدني و متطلباته، و عليه كنا دائما بعيدين عن تجسيد ارضية ملائمة و امكانية ذاتية لميلاد قائد تاريخي يمكنه من العبور و ايصال البلد الى منطقة و مكان لا يمكن ان يرجع الى ما كان عليه، و يمكن ان نسميه بالقائد المطلوب للعراق، و به يمكن ان يتمتع اي مكون فيه بتحقيق طموحاتها و اهدافه و ان كانت حقي تقرير المصير لمن يحلم به، و هذه احدى مشكلاتنا العويصة التي لا يمكن ان يتجنبها بلد لم يدخل الى مكان يمكن ان نعتبر عمق الدولة فيها هو البديل لما يجب ان يكون لدينا من هذا النوع كما هو الحال في الدول الديموقراطية العميقة التي لا يمكن ان تحتاج لقائد تاريخي ملهم لادارتها، و انما المؤسساتية الموجودة هي التي احلت محل مثل هذا القائد المطلوب الذي نتطلم عنه و لمثل دولنا التي لازالت ملتزمة بالادارة القديمة من العشائرية و الدينية و العرقية والمذهبية من الجانب الفكري و العقيدة، و الدولة لازالت في طور التكوين اساسا.