عماد علي: هل اليساري مدان في كوردستان؟
يوما بعد اخر نشهد تراجعا غير معقولا في الحجم الكمي (الانتماء الفكري ناهيك عن الحزبي) لليساريين و لم نشهد تقييما موضوعيا علميا حول الاسباب و العوامل التي تؤدي الى ذلك و ما هي خلفيات ذلك اجتماعيا و ثقافيا و اقتصاديا في كوردستان، و هذا لايعني مجارات بنسبة متساوية لانخفاض نسبة اليساريين( او اصحاب الفكر المتنور البعيد عن التخاريف و الميتافيزيقيا المهتم باالحقيقة الحياتية في كافة الميادين) غير المنتمين حزبيا,اي ربما يكون اكثر او اقل.
لا يعلم احد من يمثل اليسار الحقيقي او الواقعي، او بالاحرى لم يجتمع احد على تعريف اليسار لدى الناس و تزداد الخلافات يوما بعد اخر بين النسبة القليلة الحزبية الباقية مقارنة مع الاحزاب الاخرى المهيمنة على الحياة السياسية في كوردستان, و للاسف من ضمنهم اليمين و منه المتطرف الذي يجاري المتنفذين بشكل عام. هل الواقع يفرض نفسه ام الخلل في الجانبين، الحياة العامة للشعب الكوردستاني و الاحزاب المحسوبة على اليسار( هنا لا اريد ان اتكلم على الدول الاقليمية كي لا يتوسع الموضوع و لاختلاف مجمل الحياة العامة و الخاصة عند الكوردستانيين عنهم في كافة الجوانب).
الانتخابات الاخيرة في كوردستان كشفت مدى تراجع الحزب الشيوعي الكوردستاني الذي يضع نفسه منذ عقدين في زاوية ميؤسة نتيجة الاخطاء الاستراتيجية و الممارسة غير المناسبة للحياة السياسية في كوردستان و تماهيه مع الموجود مع ضعف الادارة الذاتية و انعدام الكوادر مقارنة مع ماكان عليه ابان ايام الحزب الشيوعي العراقي في عصره الذهبي. يمكن لاي متابع ان يتسائل عن السبب و لم يجد اجوبة متشابهة لدى الجميع بل ما يجمع عليه المتنورون انه يجب ان تحسب الظروف الموضوعية الخاصة بكوردستان و ما هي عليه اضافة الى الذاتية لليسار بشكل عام كفكر و ايديولوجيا و فلسفة ليس فقط للشيوعي الكوردستاني فقط بل لمن هو المحسوب على اليسار فكرا و فلسفة و توجها حتى لدى الافراد.
الخلل يمكن ان يكمن في ما يسيطر على عقول الناس و ظروفهم و ما تسير عليه الحياة العامة في كوردستان و الدوافع التي تبعد عقلانية التفكير و النظر لدى المواطن الكوردستاني و تاثير الاحزاب الكوردستانية الاخرى على رؤية و عقلية و فكر الفرد بشكل لم يدعوا مجالا لحريته الذاتية في التامل و التعمق فيما يجب ان يفكر فيه، بل اجتياح السياسة لعقول العامة بعيدا عن الفكر و الفلسفة. اي تفرض الاحزاب الموجودة نفسها على الفرد نتيجة الظروف العامة و الخط المسيّر للاكثرية دون ان تكون هناك فسحة للاخر ان يفعل ما يمكن ان يقع للصالح العام اكثر منها.
سرعة انتعاش الافكار المعيقة للعقلانية نتيجة اتقاد الجذوة الخرافية التي سيطرت على المنطقة منذ الغزوات الاسلامية و ما سميت بالفتوحات و تغييرها الجذري لما كان موجودا و الذي كان اكثر انفتاحا و تطورا كرها طوال تلك القرون الماساوية في المنطقة و لحد اليوم و نتيجة لبروز العوامل الذاتية الخاصة لتلك العملية اي الاتقاد بشكل اضطراري نتيجة السلطات الدكتاتورية المختلفة الاشكال التي بددت العقول النيرة وفق مصالح ذاتية لديمومة حكمها في المنطقة بشكل عام دون اشتثناء و لكن باختلاف ملحوظ بين الموجود من المعروف اليوم بالدول.
لنعود الى كوردستان و ما فيها كما يخصنا، ظل الفرد طوال عقود يترنح بين اليسار و اليمين باشكالمهما و الوانهما المختلفة لمدة طويلة الى ان تجددت الاوضاع في كوردستان و تغيرت تلقائيا بفعل الظروف و المتغيرات التي فرضت تلك التغييرات الى ان وصلت الى حال لم يعد الجيل الجديد مهتما بالفكر و الايديولوجيا او الفلسفة بما هو الاهم و بشكل يمكن ان يختار خلال اعتناقها لها ان يلتزم مايؤمن به بشكل ثابت دون ان يتردد. بمعنى، لم يعد الفرد مملوكا لذاته فكريا بل الواقع و الموجود هو الذي يفرض نفسه اكثر ن اي شيء في الجيل الجديد بالاخص. و كما نعلم الواقع ليس بارضية يمكن ان يكون هناك مايسمح ان تبرز رؤى علمية صحيحة لما يجب ان يفكر بها الفرد و يؤمن بها و يدافع عنها و يروجها كما هو المطلوب للارقتاء بالسلم الفكري و من فرض النفس على الواقع.
هل الواقع يدفع دائما الى صعوبة عمل اليسار في كافة بقع العالم و بالخصوص في الاماكن التي تعرضت للغزوات الفكرية الجاهلة و ما فرضته اتخاريف التاريخية في منطقة الشرق الاوسط و كوردستان ليست ببعيدة عن تلك المؤثرات السلبية التي فرضت نفسها طوال القرون الماضية من جهة و من ثم التجدد او ما يمكن ان تسمى بالصحوة التخرفية المستجدة بين فينة و اخرى نتيجة الصعوبات الحياتية المفروضة و افرازت العالم الراسمالي الجشع المؤثر على حياة الفرد من جهة اخرى.
كوردستان صاحبة التاريخ العميق كيانا و ما فيها دينيا و اجتماعيا و ثقافيا عاما، لا يمكن ان نبعد عنها الموروثات المختلفة للاخرين لو اردنا ان نقيّم الواقع علميا، اي لو اختصرنا لما يهم الموضوع و اختزلناه حزبيا، لا يمكن ان نبعد ما هو الموجود من الحزب الشيوعي و الاحزاب اليسارية الاخرى من الوضع الماساوي بعيدا عن الواقع الثقافي الاجتماعي الذي يفرض نفسه عليهم. الواقع المريض، العقلية المتدنية، التخلف الفكري الناتج عن المآسي المتكررة طوال تاريخ، الفكر المتعثر, و الخنوع الفردي لضرورات الحياة، مع مغريات الافكار الاخرى, كل ذلك يدع الفردقبل المجتمع امام جبل من الصعوبات للتمسك بما يؤمن او يبقى حيا مدافعا و نشطا لتنفيذ واجباته الانسانية لما يؤمن به.
في المقابل الارضية السهلة السلسة للافكار الاخرى التي تتوفر فيها كافة المغريات و الدوافع للتمسك القوي بماهو المتخلف دون دراية بمكنونه عند المنتمي فكريا و فلسفيا و حزبيا، او في ظل عدم وجود حواجز يسارية لتعري المتخلف من كافة الجوانب. و عليه تفضى بنا الحال ان نؤمن بان اليساري الحقيقي المؤمن مدان مسبقا دون ان يرتكب خطاً منذ اعتناقه لما هو الممكن اعتباره يسارا حقيقيا, كل هذا يدع ليس فقط الاحزاب اليسارية بل حتى العلمانية بشكل عام امام معترك و مفترق الطرق الخطيرة، و يسهل الامر امام الاخرين.
اصبحت امام محبي الحياة الدنيا بشكل عام في هذه المنطقة و ليس اليساريين فقط حواجز خطيرة و لا يمكن ازاحتها الا بتغيير الواقع بجهد كبير و استثنائي، و عليه لا يمكن ان يلوم احدنا حزبا او شخصا فقط ما لما وقع فيه اليساريين من التخلف في الركب في هذه المرحلة، و طالما كان اليسار مدانا منذ البداية لدى اكثرية المجتمع لا يمكن ان نتوقع الافضل في وقت قصير، و الحل على الرغم من صعوبته الا انه موجود، اي لابد من تجميع القوى و تجسيد الجهود و ترسيخ الافكار الواقعية الملائمة وفق كل مرحلة من اجل الانهاض بما يخدم اليسار، و يجب ان لا ننسى ما يضعه اليساريون المتطرفون من عوائق هم بذاتهم امام اليسار دون ان يعلموا بهذا، كل هذا نتيجة الخطا في التقييم و الطريقة التي يمكن ان يتبعها اليساري في هذه المرحلة الخطرة من مسايرة حياة الناس، لرضوخ العالم لجشع الافكار الطارئة التي تبرز خلال الانتقال من المراحل الحياتية التي حددها ماركس بشكل جيد و علمي و باطاره الطبيعي والصحيح.
و ان كانت لكوردستان ظروفها الخاصة فلابد ان نحسب لها حسابات مختلفة و يمكن ان تجتاز هي ما لا يمكن ان يجتازه الاخرون في المنطقة ان كان هناك همة و عزيمة و ارادة و بحسابات دقيقة ويمكن ان تفرض نفسها للارتقاء بالحال و امكان الصحوة اليسارية المتوقعة في اية مرحلة يمكن ان تتوفر فيها الارضية المطلوبة.