عماد علي: لم تعد هناك محاولات للبحث عن الحقيقة!
في زمن يمكن ان اسميه بالعصر الذهبي كان هناك التعاون بين الباحثين المتمكنين في العالم و منهم في منطقتنا التي كانت زاخرة بالخيرين العاملين عن كشف الحقائق الحياتية التي شغلت افكار الناس جميعا في فترات طويلة علي قدم و ساق، و بالاخص في مجال الفلسفة و الدين بشكل خاص جدا. بامكاننا ان نسمي ذلك العصر بالتنويري و التفكير العقلاني العلمي، فهذا ما دفع الى سيادة العقلانية اكثر من الخيالية في تفكير الشعوب اكثر من اليوتوبيا والتخلف الذي يسيطر اليوم على المنطقة نتجية التراجع في المستوى الفكري الفلسفي لشعوب المنطقة التي تنبثق منها عقول متميزة باحثة عن الحقيقة لاسباب مختلفة و منها و في مقدمتها التدخل الفاضح للقوى الجشعة الراسمالية و تركيزهم على نهب الثروات و السيطرة على افكار و عقول الناس في المنطقة و استغفالهم بشتى الوسائل و منها الخبيثة و بطرق ملتوية و منها دفع الاسلام السياسي الى السطح و تمكين سيطرته على مصير الشعوب من اجل تنفيذ مرامهم في نشر الفوضى و عدم التركيز على الاهم و هو الحقيقة و الحياة الطبيعية، و كل هذا من خلال عملية فرق تسد المتبعة باشكال متنوعة من قبل هؤلاء بعد ان تمكنوا ذلك عسكريا من قبل و من خلال الاحتلال العسكري و اليوم هم مستمرون عليه بعيدا في اكثر الاحيان عن الوسائل العسكرية.
كانت هناك كتاب و باحثين اهتموا بجوهر الحياة من خلال تقديم ما لديهم و التضحية بحياتهم للبحث و المحاولة لايجاد ولو جزء مما يساعد على التقرب من الحقائق الحياتية لتنوير طريق حياة الناس بشكل عام و الوصول الى الاصح بعيدا عن الخيال و اليوتوبيا و التعمق في الضلالة و الوهم. و احد المواضيع المهمة و الحساسة التي اعتنوا به و هو في المجال الفلسفي و هو الدين و ما يمسه و تداعيات التفكير في شؤونه و التعمق فيه في المنطقة. و هذا ما كان يشغل عقول الناس في منطقتنا بشكل عام ايضا الى ان جاء ما ينسب نفسه ممثلا لهم في بيان هذا المجال و هو ما ادى الى الالتواء الكبير في مسار حياة الناس الفكرية و انحدارهم على ماهو الاصح و ادى ذلك الى التخلف الموجود الان و بات الامر واضحا اليوم وبه تعمقت افرازات ذلك في طبيعة و كيان شعوب هذه المنطقة بشكل عام. كانت هناك بحوث علمية و محاولات جدية للخروج من الماسآة من قبل مجموعة لا باس بها من العقلانيين و بشكل مبتسر خلال العقود الناضية الا ان الضغوطات الخارجية و مدى قوة التدخلات المصلحية الخارجية الخبيثة قطعت السبيل عن الخيرين و به غاصت الناس في الوحل اكثر فاكثر. فكان الحياد من سمات الباحثين و بخلفية فكرية عقيدية فلسفية متنورة تقدمية بعيدة عن الامنيات و المزاجات الشخصية و كان العمل اعتمادا على التركيز على البحث عن الحقيقة و بيانها للناس فقط.
اليوم و نحن غائصون في هذا الوحل و الواقع المتازم و المتخلف الغير المسبوق الذي نعيش فيه، كيف يمكن اعادة الكرة في ترسيخ الارضية لازاحة المعوقات امام المهتمين على الاقل للعودة الى المسار الذي كنا فيه قبل عقود او قرن من الان. كيف هو السبيل لنقشع الضباب على العقلية و العصارة الفكرية للباحثين عن الحقيقة على الاقل، كي يمكننا البدء بالخطوة الاولى للتقدم نحو العقلانية في المعيشة و التفكير العام للناس. للاسف لم تكن هناك محاولات للبحث و لا توجد مؤسسات لم تتاثر بما هو موجود و بعيد عن الواقع المؤلم، بل كل ما يمكن ان نعتقد ان تتواجد و هي مبعثرة و غير متعاونة مع البعض كما كانت في العصور الذهبية و تدخل اكثريتها في المحاولات الفردية من الجوانب الثقافية الفكرية الفلسفية، و عليه لابد من التنظيم و التركيز على ايجاد طريقة ملائمة للخروج من الوحل اولا و من ثم التقدم بخطوات راسخة الى الامام. اي، المحاولة الاولية لبدء المحاولة لهذا الموضوع من قبل من يهمهم امر الناس و مستقبلهم و حياة الاجيال القادمة و هم من الخيرين و اصحاب العقول المتنورة. في هذا الطريق الشائك و الغابة المكتضة و المليئة بالوحوش، لابد من ايجاد ما يمكن ان يعبر بها العقلاني و من خلال التحليلات العقلانية المتفتحة الواقعية الملائمة و الفلسفة التنويرية الواضحة و التعامل الصحيح مع الموجود على الارض من الحقائق الزائفة التي فرضت نفسها لايجاد الحقيقة الصحيحة التي دابت الناس او بالاخص العقلانيين البحث عنها دوما من قبل و قطع المصلحيين الجشعين من المتدخلين في سؤون المنطقة الطريق عن تلك الافكار التي تؤدي للبحث عنها و ايجادها بشتى الوسائل المتوفرة. انها الحقيقة في خلق الكينونة و الانسان و التطور الحاصل في مسيرته و ازاحة الشاذ الطاريء المضلل على عقليته و تفكيره لتقويم المسار في البحث عن الحقيقة هذه و ابعاد الناس عن الخيال و اليوتوبيا الساذجة في التفكير و السلوك وفق ما سيطرت من الضلالة و الجشع و التخلف من خلال اخطر وسيلة و هي الدين المسيطر على عقول الناس. انه حث و ما يمكن به دفع المهتمين في محاولة اعادة التنظيم للبحث عن الحقيقة الساطعة الوحيدة للحياة التي لابد من ايجادها و السير وفقها.