عماد علي: افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (1)
لم يشغلني شيء طوال مطالعاتي و اطلاعاتي اكثر من الفلسفة و الاسئلة العفوية و التامل العميق في كينونة الحياة. و اذا كان من الممكن ان ندعي وجود الفلسفة في المجتمع الاسلامي باسم الفلسفة الاسلامية كما تُنطق مجازا اكثر من المعني في جوهره اساسا. و عليه، واخيرا وجدت ان اجيب بما اقدر عليه و بشكل حيادي بعيدا عن خلفيتي الفكرية الفلسفية والاثنية عن الاسئلة المتزايدة يوما بعد اخر في ذهني و اعتقد في اذهان الكثيرين من المهتمين بالفلسفة الاسلامية بشكل خاص ايضا و في مقدمتها السؤال، هل حقا هناك فلسفة اسلامية حقيقية قبل اي شىء، وهل يمكن ان نعتقد بانها اي الفلسفة انبثقت في المجتمع الاسلامي بعيدا عن استخدامها و جوهرها من اجل اهداف اخرى و ما يمكن ان نسميها الفلسفة المجردة كفلسفة بذاتها و بهدفها الخاص و لم تنبثق لما تطلبتها ادعاءات الصراعات السياسية و استعمالها كآلية جاهزة لنفي الاخر و منعه من التقدم او عرقلة بيان موقفه واسقاطه فكريا قبل تقدمه بخطوة واحدة او انتشاره اصلا؟
فوجدت ان الفلسفة في المجتمع الاسلامي او ما يمكن ان نسميه الحضارة الاسلامية اصبحت ضحية الصراعات المختلفة و السياسية بشكل خاص و المستوى المتدني للثقافة العامة للمجتمع في مراحل نشر الدين الاسلامي و فقدان دور النخبة المتميزة و ضمورهم اساسا او تذمرهم من السلطة الجائرة و تقييد حريتهم في اكثر المراحل الاسلامية حكما عبر التاريخ.
و ما دعاني الى هذه الكتابة هو اعتقادي بان اية محاولة و ان كانت ضئيلة لفهم الفكر و الفلسفة الاسلامية من اية ناحية كانت العقلانية و التقلانية و العرفانية تضطرك الى العودة مجبرا الى التاريخ الطويل لتجلي و تنمية و توسع الفكر الاسلامي بشكل عام في تلك المراحل، و بالاخص العودة الى مرحلة بدايات القرن الثاني الى نهايات القرن الرابع الهجري التي تميزت بانبثاق ما يمكن ان نسميه مجازا الفلسفة الاسلامية، و هي المرحلة الذهبية للتاريخ و الفكر الاسلامي. لكونها المرحلة التي يمكن ان نعتبرها قد تجلت فيها ما سميت بالفلسفة الاسلامية و الفكر الاسلامي و الثقافة الدينية و كُتبت تلك العلوم الاساسية و اُعتبرت اساسا للمراحل الاخرى التالية لها. لم تكن تلك المرحلة نهاية التفكير و التوجهات الشفهية فقط و انما اعتبرت بداية لتدوين العلوم في الثقافة الاسلامية و كذلك تاسيس و تدوين العقل الاسلامي بتوجهاته الرئيسية الثلاث. و هذا لا يعني ان العلم و الفكر الاسلامي قد توقف عن التنمية و التطور فيما بعد و انما بمعنى اخر ان البنية الرئيسية للعقل الاسلامي و اسسه العامة و اطره الفكرية قد اثبتت بشكل قوي في هذا العصرنتيجة ما تلاقته من الدعم المميز من سلطة تلك المراحل من جهة و الصراع المنضبط بشكل و اخر فيها.
رغم ذلك الا اننا لا نعتقد بان الفسفة الاسلامية قد انبثقت بشكلها العلمي المعروف و لكنها الى جانب ذلك ما يفرض نفسه ان نقول انه انبثقت ارضية مناسبة لظهورها و تاسيسها و تطورها من خلال توريد الافكار و التوجهات الفلسفية و دمجها مع الواقع الموجود في حينه، و لكنها و رغم الارضية و الدعم انها واجهت عراقيل و عقبات كثيرة مما اجبرتها على الخنوع و الخضوع للامر الواقع و اوقفتها و من ثم اسقطتها و اماتتها و هي لا تزال في رحم التاريخ. و كل عملية فكرية مابعد تلك المرحلة لم تكن غير الدوران في تلك الدائرة التي كونتها الصراعات السياسية قبل الفكرية و الفلسفية بشكل عام، و كلما تعمقت و اهتم بها الكثيرون فاصبحوا مضطرين الى العودة الى تلك المرحلة لبيان اساسها و صحتها و حقيقتها، و هو العصر الذي اُعتبر بداية تعرف المسلمين على الاسس العامة للفسفة و الكتابات الاجنبية و بداية مرحلة عملية الترجمة بشكل واسع الى اللغة العربية التي كانت اللغة الرسمية للفكر الاسلامي بما احتوت العديد من المصطلحات و المفاهيم و المعطيات الاجنبية التي كانت هذه اللغة قد تعرفت عليها من قبل، او كما يقول الاخرون لم يكن في ثنايا اللغة العربية تلك المصطلحات و المفاهيم الخاصة بالفلسفة الا بعد عملية الترجمة و نقل فحوى ما انبثقت في الحضارة اليونانية و تسملتها الفلسفة العربية و امتزجت بها و اكثرها بشكل مشوه ايضا لانها اجبلت في بيئة اسلامية غير مشجعة على الاستقبال لتلك المفاهيم بشكل علمي و صحيح.
و هذا،اي عملية انبثاق الفلسفة باي حال كانت، ان كانت بدوافع خاصة مبنية على صراعات سياسية الا انها مع ايجابياتها المتعددة دفعت الى افراز سلبيات جمة معاكسة للتوجه الفلسفي الصحيح، و هو ما سبب في تعمق العملية الدينية و خلط الفلسفة بالمباديء الدينية و يمكن ان ندعي بان نتيجة ذلك اُنشات مدارس و مذاهب و توجهات عدة كرد فعل لما استوردت من الفلسفات الاجنبية و بالاخص من اليونانية. و كان دعم العصر العباسي و في مراحله الاولى و بالاخص ابان حكم المامون للتعرف على ما كان موجودا في بلاد الاغريق و ترجمة منتوجاتهم الفكرية و الانسانية له الاثر الاكبر، و ان كانت تلك العملية من اجل اهداف سياسية بحتة كما يعتقد الكثير من المتخصصين و المتفقين على انها كانت ضد الفكر و التوجه و الاداعاءات و النتاجات الغنوصية الباطنية في تلك المرحلة. و على الرغم من ذلك الا انها كانت بداية انبثاق مرحلة جديدة و شيئا ما انقطاعا بين الفكر الديني المحلي المغلق على نفسه و تحولهاالى التوجهات الجديدة من الفكر المنفتح و المركب و المتاثر بافكار الاثنيات و الثقافات المختلفة.